السبت، 31 أكتوبر 2009

مجتمع المتذمرين…!!

أجمل ما في حضارة الأمريكان السطحية (لحد ما) تصنيف الفئات السلبية في المجمع ونبزها بألقاب خاصة. فإما أن يحذر الشخص من الوقوع في هذه الفئة أو يتم عزل تأثير عضوها على المجتمع. لذا تجدهم يصنفون من يكره الجديد ويرى أن القديم دائماً أفضل بـ"ماضيين" ومن يختلف في اللبس والتصرفات عن باقي العامة بـ""geek أي شاذ أو غريب. ومن يكثر التذمر بـ"متذمر" أو "متضجر". وعن مجتمعنا, فنحن كثيراً ما نقع في الأولى وقد نحتاج الثانية قريباً ولكننا نعيش الثالثة كظاهرة!!

في أي مجلس من مجالسنا من الجنسين ومن جميع الفئات السنية تجد التذمر هو الطاغي على أغلب الأحاديث اجتماعية كانت أم اقتصادية أم تاريخية أم أم.... تجد الرجل يتذمر من زوجته وأولاده وكذا الزوجة وكذا الأولاد. تجد 99% من الموظفين غير راضين عن وظائفهم أو مدرائهم أو سياسات شركاتهم أو وزاراتهم. تجد الجميع يتذمرون من الجو والعمل وغلاء المعيشة وحالة الشوارع والدولة التي لم ترد لهم خسائرهم في الأسهم إضافةً إلى جميع من يأتي ذكره من غير الحاضرين!!! تجد مقالات التذمر (لا أسميه نقداً) مثل "عقال الوزير" ومقال الإكس شيخ عن الغربي "الذي لديه ولدان أحدهما مهندس والثاني طبيب" يرسل لك بالبريد الإلكتروني من عشر أشخاص عند صدوره ومرة بالشهر عند اللزوم..

فنحن نتذمر من إسفاف التلفزيون والمسلسلات الخليجية والفيديو كليب لنشاهدها متى ما حانت الفرصة. نتذمر من غلاء المعيشة وكثرة المكوس مقارنة بالغير رغم كون المملكة من أرخص الدول الغنية معيشة ومن أعلاها كصافي دخل (كنسبة المتبقي من الراتب إلى الإجمالي بعد خصم الاستحقاقات الرئيسية). تجدنا نتذمر من تحويلات الطرق ثم بعدها مباشرة نتذمر من عدم وجود الخدمات. نتذمر من سوء القيادة في شوارعنا وننسى أن هؤلاء القواد هم أنا وأنت. تجدنا نتذمر من الرياض وجدة والدمام مقارنة بجدة والدمام والرياض.

أصبح المجتمع ينظر إلى كل الأمور بنظارة شمسية سوداء يرتديها ليلاً نهاراً. فدأبنا لا نرى إلا السلبيات من الأمور حتى اعتدناها كحياة واستمتعنا فيها بسادية. أضحى الكثير منا غير منتجين لأن التذمر عدو الإنتاج والنجاح رغم أننا نملك وبقوة جميع عوامل النجاح. فنحن نملك الشعب كطاقة بشرية ونملك أعظم الثروات الطبيعية لتمويل النهوض بحضارتنا ونملك حكومة مستقرة تضمن تراكم هذه الحضارة من دون انقطاعات قسرية. رغم هذا وذاك, تجدنا أكثر من يصدر مهاجرين كنسبة من الدول غنية!!

فما هي المشكلة؟؟ وما هي الحلول؟؟
هل المشكلة أننا لازلنا نسمي التذمر نقداً رغم أن النقد يتبعه اقتراح حلول وعمل على تنفيذها والتذمر يتبعه التأفف!!؟؟ هل أننا مرفهين لدرجة تجعلنا نبحث عن النقص أكثر من تمتعنا بالواقع!!؟؟ أم نحن فعلاً أتعس شعب على وجه الأرض لأننا أكثر الشعوب تذمراً!!؟؟

في لقائي الأسبوعي في القهوة الغربية مع أحد الأصدقاء ناقشنا الحالة الأممية التذمرية, فتوافقنا, كأغلب الأحيان, على تفشيه كظاهرة مما أوحى إلي بكتابة هذا المقال. ولكن وأنا في نهايته, أرى أننا تذمرنا من ظاهرة التذمر والمتذمرين وذلك إثباتاً لأن نكون عناصر فعالة في المجتمع ولأن لا نكون من الـ"geeks" في مجتمع التذمر.
وختاماً أرجو أن أكون قد تذمرت بالشكل الصحيح عن ظاهرة التذمر لما في ذلك من إراحة للنفس بإلقاء التهم على الآخرين لأكمل باقي أسبوعي رافع الرأس....!!!

الجمعة، 23 أكتوبر 2009

التجرد... مهارة متى نتقنها؟

عندما نكون وجهة نظر شخصية عن حدث ما, تتشكل آراءنا من خلال مجموعة من العوامل يمكنها أن نصنفها زمنيا بالخبرات والمواقف الشخصية و المسلمات العقائدية أو الاجتماعية (الماضي), واقع الحدث (الحاضر) وتوقع التبعات (المستقبل).

و إذا افترضنا تقارب وضوح واقع الحدث للجميع, وكان استقراء وتوقع التبعات هو نتيجة لما يسبقه, أصبحت خبراتنا ومواقفنا الشخصية العامل الوحيد المسبب لإختلاف وجهات النظر.

رغم كون واقع الحدث هو ذاته للطرفين, إلا أن هذه الوجهات قد تتباين لدرجة قد تتسبب في أزمات أو حتى تقود إلى حروب مدمرة. لا أتحدث هنا عن صراع المصالح بين الأشخاص أو الدول لأن هذا شيء آخر قد يكون حتميا في أحيان كثيرة. ولكني أتحدث عن تباين وجهات النظر الخاصة أو المؤطرة التي تقود لهذه الاختلافات ومن ثم الخلافات.

فنحن نرى كيف أن مشجعي فريقين متبارين ينظرون لأحداث مباراة بتباين يجعلك تتساءل "هل كانوا يشاهدون المباراة نفسها؟؟"

فكيف لنا أن نصل إلى أفضل تقييم مشترك لواقع الحدث رغم إختلاف مواضينا لنكوُن أقرب وجهات نظر قابلة للتناغم أكثر منها للتناحر؟؟

عن نفسي، أرى أن التجرد هو أفضل طريقة عملية قد تقودنا إلى الرقي بواقعنا وجعل مواضع إتفاقنا أكثر من إختلافنا. فكلما تجردنا من الأحكام المسبقة عند تكوين الرأي الشخصي كلما كانت آرائنا أقرب وأدعى بأن نتفق أكثر.

والحقيقة جميعنا نظن ونصرح بأننا متجردون.. ولكن ما هو مقياسنا لتجردنا..؟

أظن أن المقياس العملي للتجرد هو فهم ومن ثم تفهم أو رد وجهة نظر جميع الأطراف والنقائض.. فإذا استطعت مثلاُ أن أفهم, وإن لم أتفهم, وجهة نظر بوش في الحرب على العراق ووجهة نظر صدام في احتلاله للكويت أو شارون في صبرا وشاتيلا أو حماس في عدم تسليمها لسلطة غزة رغم سقوط آلاف الأطفال ضحايا بدون أن أرد أو أسبب هذه التصرفات إلى الهوى والمصالح الشخصية, عندها فقط، أصبح مؤهلاً في مقياس التجرد لأطلق أحكاما هي أقرب للصواب منها للعاطفة.

السؤال الأصعب كيف يمكننا للوصول لهذه الدرجة من التجرد وإن تعارضت مع مسلماتنا؟؟ هنا تلعب ثقافتنا وإطلاعنا الدور الرئيسي في فهم وجهات النظر النقيضة من خلال تجردنا الصرف بالتفكير كما يفكرون على ضوء خلفياتهم التعليمية والاجتماعية والدينية والعقائدية.. فبوش قد كان يرى التدخل في العراق هو الحل الانسب لأمته وشعبه وكذلك صدام في الكويت وكذا الباقين و إن كنا لا نوافقهم فيما آلوا إليه..

لم آتي إلا بسرد ما تحثنا عقولنا عند تكوين رأي شخصي فكثيراً ما كنا نفكر بمدى تجردنا عن غيرنا "الغير المتجردين" بينما يرى الطرف الآخر العكس صحيحاً. ولكن المهم هو أن نتقن مهارة التجرد في عقلنا الباطن وليس الظاهر فقط. لأننا إن لم نفعل ذلك، إختلفنا وإن لم نكن مختلفين!!

السبت، 17 أكتوبر 2009

الأخ المحترم الشيخ الدكتور المهندس أبو محمد الأول....حفظني الله..!!

نشأت الألقاب التي تسبق الأسماء، فيما أظن، خلال العصور الوسطى في أوربا. حيث بدأ استخدام ألقاب مثل الدوق والسير وغيرها لتمييز طبقة النبلاء وعلية القوم عن طبقة الشعب. وعندما غزى العثمانيين أوربا بعد فتح القسطنطينية، تقمص الترك هذه الآلية وصنفوا طبقاتهم لتحوي أفندي وباشا اجتماعيا وإلى ألقاب ذاب طابع عملي مثل مشير وخديوي. ثم نقلوها إلى المناطق العربية التي احتلوها مثل الشام ومصر وبقية الأقاليم العربية الأخرى. وبما أننا ورثنا بعض القوانين العملية من أقرب حضارة عند نشوء المملكة وهي مصر الملقبة بـ"أم الدنيا"، تقمصنا بدورنا بعض هذه الألقاب وأضفنا البعض الآخر توافقاً مع خصوصيتنا. فكان لقب "الشيخ" ذو أسبقية في مجتمعنا يحق لنا أن ندعي حقوق ملكيته الفكرية أو براءة اختراعه.

في الماضي، ارتبط لقب الشيخ في الماضي بعدة مراكز اجتماعية. منها ما هو قبلي أو اجتماعي أو ديني. فكان رأس القبيلة وعترته يسمون شيوخاً. ومدرس الكتاتيب يلقب شيخاً أيضاً. أما الآن فقد أضفنا للمركز الاجتماعي بعداً آخر مثل إضافة لقب شيخ لكل من يملك حفنة من ملايين الريالات ويتأبط بشتاً لسد الفراغ الذي يسبق الاسم. وأكثر من ذلك، أمنعنا في اشتقاق ألقاب مركبة بتر كيم لقب شيخ مع دكتور أو مهندس لنسمي أنفسنا "الشيخ الدكتور" "الشيخ المهندس" وهلم جر...!! حتى أصبحت الألقاب التي تسبق أسماءنا أطول من أسماءنا الطويلة أصلاً. وهنا سارع إخواننا "من غير ما لُقب " إلى الدفاع عن حقوقهم المنتقصة للفوز بنصيبهم من كعكة الألقاب. فحاول المحاسبين (من غير نجاح ملموس) أن يُلقبوا بـ"مح. أي محاسب " أ.. مدرس" أو حتى "ج. للجامعي من التخصصات الأخرى" وكأن عدم وجود لقب ينقص من احترامنا لذاتنا أو احترام الآخرين لنا..!!؟

كانت تبعة هذه الأيدلوجية بحث البعض عن الشهادات الدراسية التي تحقق أحد هذه الألقاب ليزين أسمه ويزهو بها أمام مجتمع يفتخر بما يتقدم أسمه من ألقاب. أصبح الشخص يفني سنيناً من عمره ليكون دكتوراً أو مهندساً أو... أو... و لو كانت هذه الشهادة بعيدة عن توافقها مع إمكاناته الشخصية أو طموحه العملي. وأصبحت, شقق من غرفتين, جامعات (في مصر و اليمن و غيرها) تبيع شهادات لمن لم يستطع الحصول عليها محلياً أو غربياً.

تحول اللقب في مجتمعنا هاجساً في حد ذاته. حتى أني أخجل أشد الخجل عند تقديم أنفسنا أو بعضنا البعض ,في الاجتماعات العملية مع من غيرنا من الأمم, بتعريف أسمائنا مبتدئين بألقاب "الدكتور" و"المهندس" و"المحاسب" و"الجامعي" أو كلها مجتمعة. وأدهى من ذلك، سمعت أحد المتصلين بالـART ، ممن لم يحصل على لقب مُصنف، يقدم نفسه للمذيع ب"معك الأخ المحترم زيد بن عبيد".!!!؟
"لقد أسمعت من ناديت حياً ... و لكن لا حياة لمن تنادي"....

و بما أنني شخصياً لم أستطع أن أغير من حولي بترك الألقاب، فقررت أن أبيع سيارة سائق الإلياذة (
مذكور في مقال سابق) و أشتري بريالاتها شهادة دكتوراه من جامعة كفر الطاووس يكون موضوع طرحها "تصنيف الألقاب لمن لم يُلقب", و أبتاع بالمتبقي حافلة من صنع تاتا الهندية لأتبرع بها لأحد الأندية المشهورة لنقل البراعم, ثم أُضيف لقب شهادتي الجامعية في الهندسة التي طالما تمنعت عن استخدامها لأصبح "الأخ المحترم الشيخ الدكتور المهندس أبو محمد الأول........ حفظني الله".

الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009

المرحلة الإنتقالية.. صراع مصالح أم صراع ايدلوجية؟؟

تحدثنا في المقال السابق "المملكة بين مرحلتي الحصانة" عن كون المملكة تعيش المرحلة الإنتقالية بين مرحلتي حصانة الفرد وحصانة المجتمع. و من سمات هذه المرحلة هو صراع طرفي اليمين و اليسار خلال مراحل متدرجة تبدأ من صراع خفي غير معلن للطرف الأضعف تأيداً من عامة الشعب والدولة ثم صراع مبطن عندما تبدأ قوة هذا الطرف بالتنامي فصراع ظاهر يستطيع الجميع، خاصة وعامة، إحساسه ورؤيته. وإذا جاز لنا التأريخ، فقد تجاوزت المملكة المرحلة الأولى الفرعية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ومنذئذٍ كانت مرحلة الصراع المبطن في حدة متزايدة تظهر لمستقرئي تاريخ إجتماع الشعوب بوضوح وتخفى في أحيانٍ كثيرة على عامة الشعب في مرحلة استنفذت زمنها حسب ما قدر لها.

خلال الأشهر الماضية بدأت المرحلة الأخيرة من عمر المرحلة الإنتقالية في صراع لا يخفي على أحد من طبقات المجتمع في مرحلة فرعية تعد الأطول عمراً خلال هذه المرحلة القصيرة أجلاً، كما ذكرنا في المقال السابق. هذه المرحلة تعد الأقسى على العامة والأصعب على الدولة على حدٍ سواء وذلك لحساسيتها لكل حدث، صغيراً كان أو كبيراً بسبب تعاظم قوة إعلام الطرفين وإنضمام مؤيدين جدد متحمسين تخفاهم بواطن الأمور. وربطاً بالواقع، كانت أحداث إفتتاح جامعة الملك عبدالله الأسبوع الماضي، وما صاحبها من مصادمات أو مهاترات زادت من حدة الفصل، وأظهرت الصراع على الساحة الشعبية بشكل غير مسبوق.

كما ينقسم التياران بشكل أوضح على نفسيها متأثرين بالتأرجح بين يمين خدمة الفكر ويسار المصالح الشخصية مما يلتبس على العامة ويجعلهم متأرجحين بين تأييد التيارين. ومما يزيد التعقيد أكثر، تأرجح رأي المثقفين المتجردين، ذوي النفوذ المتوسط، لاطلاعهم على بعض الخفايا ومن ثم تناقض آرائهم التي هي أحد أهم أدوات العامة للحكم أو الإنحياز إلي أحد الفكرين المتصارعين.

حسنة ذلك، إنقشاع الغمامة عن نشأة تيارات أو مصنفات فرعية للتيارين الرئيسيين أتخذت لها مسميات مسبقة تتراوح من أقصى اليمين "إسلاميين متشددين" مروراً ب"إسلامين معتدلين" ف"إصلاحيين" حتى "إسلاميين ليبراليين" ومن ثم "‍ليبراليين معتدلين" ف"إصلاحيين" و ختاماً "ليبراليين أحرار" في أقصى اليسار. فكلما تباعد الفرق على هذا المحور الأفقي كلما تعاظم التصادم، بينما يكون التوافق المشترك أظهر عند تقارب المصنفين.

تكمن مشكلة مرحلة الصراع الظاهر في تشابه وتداخل الأهداف الفردية بين خدمة الفكر الايدلوجي وشهوات المصالح الفردية لأعلام التيارات المتصارعة. هنا يمكننا جزئياً فهم وإدراك مدى إخلاص أعلام التيارات للايدلوجيتها المعلنة أو سعيها الدؤوب لمصالحها الفردية من خلال قراءة ما بين السطور متحرين إختبار مدى ثبات أسس تبريرات دعمها لحدث أو رأي ما. ولتبسيط إجراء هذا التصنيف، يبدو لي أننا قد نحتاج في هذه المرحلة لأن نصنف أنفسنا "قسرياً" حسب المحور الأفقي المذكور حتي لا نعاني من غثيان التأرجح عند كل حدث مستجد ولنرى بوضح أكبر في مرحلة ضبابية عسيرة ومن ثم إتخاذ القرارات الشخصية المناسبة متجنبين تأثرها بفوات الزمن المناسب لتحقيقها.


الأحد، 4 أكتوبر 2009

السائق الخاص... الإلياذة المعاصرة للأبطال ذوي الطواقي الصفراء!!!

لم يكن لدي قط سائق خاص إلا من ثمانية أيام. مارست فيها دور معلم القيادة في أيام أعدها من أصعب ما مر علي من أيام لا يفوقها رعباً إلا ليالي إختبارات التفسير في المتوسطة. أيام عصيبة مقتضبة تنهك الاعصاب و ترهق القوى بما بها من صعاب. أيام أحمل بها هم الدقائق المعدودة في الصباح و في المساء خلال معارك الذهاب و العودة من و إلى العمل.

إن معاناتي من خلال الشد العصبي الذي أعيشه خلال هذه الدقائق يفوق إحتمال الرجل من عصر الأبطال. فمن كفةٍ كانت الشوارع المستوية (لغةً و شرعاً) متناغمة مع قيادة الشعب المؤدب المحترم المتبع لقوانين المرور بحذافيرها في شوارع الرياض و في كفةٍ أخرى مهارات القيادة الفذة للسائق و اللتان تعاونتا على إنهاك قواي العقلية المتبقية (بعد الجامعة) في زمن قياسي.

لا أدري لماذا تحضرني الإلياذة، كما لم تحضر هومر نفسه، كلما ركبت السيارة مع السائق يإحساس و كأنني أحد الجنود المشاة بجانب أخيل خلال الهجوم على حصن طروادة!!؟؟ فلا أستطيع أن أقود السيارة لتفادي الأهوال و لا تفادي الحراب و السهام التي تشبه خطافية صاحب الاكسنت ذو الطاقية الصفراء (اصلا أو قسراً) المقدام الذي لا يهاب الوغى أو اللعب بأعمار الآخرين و المستمتع بمداعبة الحد الفاصل بين الموت و الحياة كل خمس دقائق.

تحضرني منازلة هكتور بطل طروادة لأخيل بطل اليونان في عصر كان القوة و الشجاعة أو الحماقة تكال بالأطنان بينما تكال الأرواح بحفنة من التراب. يحضرني عليٌ في معركة الخندق و هو يتقدم لابن ود كما يحضرني الزبير في اليرموك و هو يخترق وحيداً مائتي ألف من الروم ذهاباً و عودة في حجز مؤكد. يحضرني خالد في كاظمة و هو يجز عنق رستم و يحضرني القعقاع و هو يتقدم صفوف المسلمين في القادسية غير آبهٍ بالفرس و فيلتهم. بل يحضرني تاريخ معارك الخير و الشر أو الشر و الخير أو الخير و الخير أو الشر و الشر (تبعاً لنظرة الراوي أو المؤلف) كلٍ على حد سواء...

رغم إختلاف الزمن و تماثل المخاطر، فلقد أثبتت لي هذه التجربة بأن شجاعتي لا تقل عن هؤلاء الأبطال عند قبولي أو إستسلامي للركوب في مقعد الراكب بجانب السائق المؤدب ..!!

هنا اتساءل؟؟ هذا حالي و أنا رجل أقود السيارة منذ ما يربو من ربع قرن!! فكيف بامراة (لم تقد دراجة منذ ما قبل الابتدائية عندما اشتري أبوها لأخيها الصغير سيكلاً ذو ثلاث عجلات) مرغمةً على الركوب مع هذا السائق و من مثله لتصل كل يوم إلى غايتها....؟؟؟

"إبتسمي يا أيتها المرأة السعودية فأنتي أشجع مني،،،،!!"

ختاماً،، كم أتمنى صولوناً حكيماً مثل صولون الإغريق أو دكتاتوراً شجاعاً هتلرياً بنصف شنب أو حتى طاغيةً فاشياً يشبه في عفوه موسوليني الطليان لأن يقود عصابة المرور حتى يلقى أبو طاقية صفراء صاحب الاكسنت ما يستحق..

الجمعة، 2 أكتوبر 2009

المملكة بين مرحلتي الحصانة

عشنا في بدايات حياتنا كما عاش آبائنا وأجدادنا من قبل في مجتمعات محافظة تكون الوصاية به للمجتمع القروي أو القبلي ثم مجتمع الدولة المحافظة عند نشأت الدولة السعودية الحديثة. فكان العرف الذي غالباً ما يلبس اللباس الديني هو القوانين الُمسِنة و قاعدة القياس الصحيح للأفعال ثم قامت الدولة بالتزام هذا العرف ذو الصبغة الدينية حسب فهم حينئذٍ وسنته في شرائعها.

فأصبح نتاج ذلك أن الخارج عن هذه القوانين محرماً وغير متوفراً بالعلن مدعوماً بالإعلام المقيد وانعدام الحرية المطلقة ومسانداً من قبل عامة الشعب الذين ارتضوا في أغلبيتهم هذه الحصانة وعاشها من لم يقبلها مرغماً لعدم توفر الخيارات في الغالب ووخامة نتائج مخالفتها. فكانت مرحلة يمكن لنا أن نسيمها مرحلة "حصانة المجتمع" حيث يكون المجتمع محصن بالقوانين المسنة والمؤيدة شعبياً وعدم توفر خيارات خرقها في العلن.

وبداية من تنامي قوة المجتمع المدني مقابل انحسار سُلطة المجتمعين القروي والقبلي و من ثم إنتشار الانترنت والقنوات الفضائية الغير حكومية وتعاظم قوتها في السنوات القليلة الماضية ثم انتهاج حكومة الملك عبدالله منهج الإنفتاح الفكري النسبي أو التدريجي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتوابعها داخلياً ضعفت هذه الحصانة لتوفر البدائل. فنشأت المرحلة الحالية بإيجابياتها وسلبياتها. فهي مرحلة لم يكتمل فيها النضوج الفكري لأفراد المجتمع كما لم تكتمل بها الحرية الشخصية في اختيار ما هو متاح بدون عواقب. لا يتوقع لها ان تطول هذه المرحلة كونها مرحلة إنتقالية بين مرحلتي حصانة المجتمع وحصانة الفرد في في ضوء الحرية الشخصية الغير مطلقة.

واذا آن لنا أن نستقرأ المستقبل، فستكون المرحلة القادمة هي مرحلة "حصانة الفرد" التي يكون الفرد مسئول فيها عن تصرفاته ونتائجها بشكل كامل كما هو المجتمع الأوربي الغربي والآسيوي الشرقي الآن. ومن خصائص هذه المرحلة تكون للخيارات الفردية اليد العليا في الحياة الشخصية وبنتائج تتراوح من أن يكون أبنائنا ناضجي التعليم والفكر وذوي تأثير إيجابي في المجتمع أو مدمني كحول أو مخدرات أو مشردين بلا مأوى أو حتى شاذين جنسياً!!!.

في نظري أن هذه المرحلة قادمة لا محالة. فكيف لنا التعامل مع أبنائنا وتهيئتهم لمرحلة تكون تربيتهم هي أهم وأقوى بل جل ما يملكون من زاد؟
لا أود هنا إفتراض الحلول. فكلٍ أعلم بما هو أصلح وأنسب لأبناءه اذا ارتضى الفرض أصلاً كمنهاج. وعن نفسي فقد خلصت إلى افتراض التعليم ،أياً كان حسب ميول وإمكانات الابن أو البنت، مع افتراض الحد الأدنى من الحدود الدينة الغير مختلف عليها ثم الدعوات الخالصة في صلاتي بالتوفيق..