الاثنين، 28 سبتمبر 2009

قصة الحضارة... الحضارة في قصة

ويل ديورانت صاحب موسوعة "قصة الحضارة" عبقري من عباقرة التاريخ في التاريخ. كتب هذه الموسوعة في أكثر من عشرين عاماً متناولاً تاريخ الأمم و حضارتهم و فنونهم باسلوبٍ أدبي عبقري رائع يجعل القارئ يتلذذ بقراءة التاريخ كرواية تشبه في رومانسياتها روايات شكسبير و في سهولة سردها روايات جفري آرشر و في صياغتها الأدبية أسلوب جابريل جارسيا ماركيز.

تناول تاريخ الحضارات عبر سرد أدبي لتاريخ أمم ما قبل التاريخ بداية بالفصل الأروع نشأة الحضارة في الكتاب الأول كاشفاً عن عبقرية فلسفته و تجرد فكره في حيادية مع النفس توصل لها قليل القليل من بني البشر. قراءة هذا الفصل تولد إحساس غريب للقارئ بالنمو فكرياً لأعوام مديدة في سويعات قليلة. ثم تناول حضارات ما قبل التاريخ سارداً و محللاً الحضارات السومرية و الآشورية ثم المصرية الفرعونية و الهندية و الصينية و اليابانية مروراً باليونانية و الرومانية متنزها في أطياف الزمن الغابر حتى حط به الرحال بالحضارة التي نعيش باقي فصولها يتخللها فهم خاطئ لحد ما لحضارة الإسلام. أتتنا الموسوعة من خلال ثمانية مجلدات باللغة الإنجليزية مترجمة في أربعة و عشرين مجلداً باللغة العربية. و مما زاد روعة هذه الموسوعة ترجمتها على يد جهابذة منتقين من قبل اللجنة الثقافية للجامعة العربية بأسلوب لا يضاهيه إلا أسلوب كاتبها و لا يعيبها إلا طباعتها القديمة و الفقيرة.

تناول ويل التاريخ كمؤرخٍ عاش كل حضارة على حدا... تناول الدين كما لو أنه أحد رهبان عصرها... تناول الفن و التصوير كما لو أنه فان جوخ زمانها... تناول البناء و العمارة كأعظم مهندسيها... تجرد من ميوله و أهوائه في النقد و في المديح... فأبدع أيما إبداع في تدوين أحد أعظم ما خط في تاريخ القلم.

الموسوعة تلقي الضوء على دورات الزمن في تاريخ الأمم. و تاريخ استغلال الأديان لمكاسب ثلة من الرجال مستغلين المجهول لتناول زمام الأمور. في رائعة أسمى حصائلها قراءة و استقراء التاريخ... في قراءة تجعلنا نتفهم كيف يمكن لمن يحاول إدارة و تسيير العالم أن يسايره النجاح أكثر من الفشل.

و ختاماً أقول أين كنا منها طوال هذه السنين!!؟؟ لماذا لم ننصح أو نرغم على قراءتها في بدايات حياتنا حتى نختصر الزمن و التاريخ و لنفكر كراشدين في عمر الزهور.....؟

السبت، 26 سبتمبر 2009

القراءة... المتعة المضاعة

كثيرا ما يجترني حملي لكتاب في الآماكن العامة أو الاجتماعية إلى مناقشة حول القراءة بشكل عام و ظاهرة العزوف شبه الجماعي في مجتمعنا العربي بشكل عام و السعودي بشكل خاص. حيث يأخذنا الجدال في مسار ثابت تقريباً، بدأً من اقرار الطرف الآخر بأهمية القراءة في تطور ثقافة الشعوب ثم حال الشعوب المتقدمة و إحتلال القراءة لجزء مهم من حياتهم اليومية مما يضمن استمرار تقدمهم الفكري إلى ذكريات المراهقة في متعة قراءة روايات اجاثا كرستي و القصص القصيرة ثم المحاولات الغير ناجحة لقراءة مجموعة الكتب الذي اشتراها (من جرير في الغالب) بسبب صعوبة الالتزام بقراءة عدد كبير من الصفحات و ظاهرة النوم عند الامساك الكتاب فختاماً الإستسلام (ما شاء الله عليك.. ودي بس ما الله عطاني!!).

في رأيي تكمن المشكلة في الفهم القاصر للقراءة على أنها وسيلة للتعلم و الثقافة المجردة و عدم الاحساس بنشوة متعة القراءة مما يجعلها، خصوصاً ببداية الصداقة مع الكتاب، صعبة و عسيرة على القارىء. حيث يجب أن تعد القراءة أولاً متعة مجردة بحد ذاتها مثلها كمثل مشاهدة التلفاز أو حوار ممتع مع الآهل و الاصدقاء يوقظ جميع الجوارح و الأحاسيس. مما يجعلنا نتطلع إلى الوقت الذي نفرغ به إلى كتابنا بدلاً من عد الصفحات المتبقية في كل مرة نفتحه. فالوقت بمحوريه إما يكون ثقيلاً كمدة طيران رحلة في مهمة عمل نتطلع خلالها على الساعة كل خمس دقائق متمنين تقديمه مثل شريط الفديو أم ممتعاً لا نود إنقضاءه عندما نكون في المكان و الزمان الذي نستمتع به مختلسين النظرة الى عداد الزمن ايضا و لكن متمنين ايقاف تسارعه. فكيف لنا أن نجعل القراءة أبعد ما تكون عن المحور الأول متغلغلة في محور الزمن الممتع!!؟؟
الإجابة لدي ببساطة، هو قراءة ما نحب و نستمتع بقراءته لا ما نحتاج و لا نطيق!! فعندما تقرأ ما تحب "حقاً" لن تعد صفحات الكتاب مثلما تتطلع لساعتك في رحلة العمل. و هذا يقودنا إلى فكر و طريقة إختيار الكتاب الذي تحب.

دائماً ما تكون البداية هي الأصعب. فأولاً كيف نتعرف على ما نحب؟ تختلف الإجابة من شخص لآخر حسب الميول و الاهتمامات. فما يناسبني الآن قد لا يناسبك الآن أو حتى في الغد. و ما يمتعك قد أجده مملاً. لذا لن يجيب على السؤال بالشكل المناسب غير الشخص المعني. و لكن غالباً ما تكون القصة أو الرواية أو التاديخ مواضع اهتمام مشترك في جل فترات العمر و يتبقي اختيار الموضوع و الاسلوب الذي يمتع المتلقي.

عندما نتعدى البدايات يصبح الامر أسهل. حين تنمو مهارة القراءة و معها مهارة اختيار الكتب المناسبة. حتى نصل إلى مرحلة نستطيع بها أن نحكم على مدى متعة قراءة كتاب ما خلال ثواني من رفعه من على درج المكتبة أو عندما يأتي ذكره في الكتاب الذي نطالعه. حينها فقط، و عندما يصبح الكتاب جزء من حياتنا، نستطيع قراءة ما نحتاج بملل اقل و بمتعة اكبر فنطور ثقافتنا و فكرنا لنساهم في بناء أمه تسمو بسمو أبناءها.

السبت، 19 سبتمبر 2009

موبايلي... أنا..... و الدب


بما أنني من ثقيلي الحركة و قليلي التأثر بالإعلانات... فإنني أعد أي حملة تحملني على تحمل المشوار للبحث عن المنتج إما حملة مكلفة جداَ أو عرض يمثل صفقة ناجحة بلا شك. و قد حملتني على الرغم من ثقلي حملة موبايلي الأخيرة للبرودباند على زيارة أحد صروحهم (فروعهم) المشيدة في أغلى المناطق التجارية.
و قد كان لي من الدلاخة (الثوالة في رواية و الدباشة في أخرى) بمكان بأنني لم أبحث عن مصداقية العرض كعادتي قبل التوجه إلى أحد هذه الصروح. و صادفت ربع ساعة نهاية ساعات العمل في رمضان. فكان لي الحارس المسكين بالمرصاد و صدني عن الدخول مع رجاء عدم المقاومة لأنها تعليمات صارمة بعدم دخول أي عميل جديد حتى يمكنهم التخلص من العملاء المتبقين في الصالة. فقاومت "كعادتنا بالتغلب على المصاعب بحصان اللسان و الحجج" و تنازلت عن حقي بالاشتراك و طالبت فقط بالسؤال عن معلومات عن العرض. فتعذر المسكين بالتعليمات الصارمة و هنا رأيت إشارة ذلك العملاق (الدب) تأتي من آخر الصالة التي أوحشتني و جعلتني أتفهم ارتعاد ذلك المسكين. و رغم أنني أؤيد بقوة المقولة الغير صحيحة بأن الدببة خفيفين دم و ذلك لظروف شخصية إلا أن تلك الإشارة لم تحمل أي خفة دم في وقتها. وطفقت عائداَ إلى سيارتي أجرجر أذيال الهزيمة (حشى صارت حرب) متقبلاَ نتائجها على مضض و متوعداً في نفسي بِكرةٍ (بعودة) مفاجئة.
و لم تك الزيارة الثانية بأوفر حظ رغم بدأ المعركة قبل ربع ساعة نهاية ساعات العمل بكثير. فكانت الصالة مزدحمة لدرجة أنني تطاولت برأسي لأرى إذا ما كان هناك فرن تميس داخل هذا الصرح. و عندما أردت الاستفسار من موظف الاستعلامات... طلب مني بشيء من الحدة أخذ رقم و الانتظار. و بما أني لست بقليل شر بدأت باستخدام مهاراتي الفردية المتوارثة عبر الأجيال و هي التكشير عن الأنياب و رفع درجة الصوت حتى يصل لأصحاب الطاولات القابعة في عمق الصالة. "طالبت فقط بمعلومات و أنت موظف استعلامات"..!! و لأنه على ما يبدو موظف مبتدأ و لم يكتمل نبوت ريشه تنازل على مضض و بروح انهزامية تشبه روح الألمان عند توقيع معاهدة فرساي في نهاية الحرب العالمية الأولى أو روح اليابانيين في نهاية الثانية و تكرم بإعطائي المنشور الخاص بالعرض. فكانت الفاجعة المتوقعة بأن التكلفة ضعف ما يعلن عنه..!!!؟؟ لم تكن مشكلة بالنسبة لي فدخلت المحل المجاور لصرح موبايلي و اشتركت في "جو" بضعف السرعة و 30% سعر أقل "لي معهم معركة سابقة من خلال الاشتراك الأول".
أنا مؤمن بأن السوق عرض و طلب و لست بمغصوبٍ على الشراء من أحد كما كان في عهد أقطاعية الجدة الاتصالات السعودية. و لكن لي هنا وقفات مع موبايلي سأقوم بسردها بإيجاز.
أولاَ: سلسة الإمدادات.. يبدو لي أن إدارة التسويق جد مجتهدة و متكلفة. هذا واضح من احترافية الإعلانات و كثافتها. الصروح أم الفروع مكلفة بشكل فاحش و في أماكن منتقاة من قبل مصمم فساتين سهرة لبناني على ما يبدو و ذات ديكور يذكرني بقصور إمبراطوريات أوروبا أو فاشية العالم العربي. و في النهاية أربع إلى خمس طاولات يجلس عليها ثلاث إلى أربع دببة طيبون يتخذون من طريقة تعامل أجدادنا في رئاسة تعليم البنات قدوة لهم. ما هذه السلسة المختلة من الإمدادات وتدفقها!!؟؟ كيف تكون عنق الزجاجة الحلقة الأقل تكلفة!!؟؟ ما فائدة الاستثمار في حلقات التسويق و البنية التحتية بينما لا تستطيع الحلقة الأخيرة "المبيعات" مجاراة التدفق!!؟؟ توقعي من دون حقائق ثابتة لدي أن الإدارات المشكلة لهذه الحلقات تدار بشكل مستقل و بنظرة مؤطرة يغيب عنها الفكر الشامل لكامل السلسلة من البنية التحتية حتى رضاء الزبون.
ثانياَ:التكلفة و التسعير.. لماذا تقع موبايلي بنفس الخطأ الذي تقع به الجدة السعودية!!؟؟ لماذا هذه الـ Hidden cost أو التكاليف المخفية!!؟؟ ألا يمكن لهم أن يضعوا التكاليف الإضافية مثل قيمة المودم أو التأسيس و بالبنط العريض حتى لا يفاجأ العميل "كما يسموننا" بالتكلفة الإجمالية التي تعدى المنافسين فتكون ردة فعل سلبية كما حصل معي و مع غيري..!!؟؟ هل نحن أغبياء لهذا الحد!!؟؟؟ أم يظنون أن هذا العميل لا يمكنه أداء قسمة مبسطة تعلمها في ثالث ابتدائي لحساب التكلفة الشهرية!!؟؟ هناك حملات دعائية تدرس في علم التسويق كلفت عشرات أو مئات الملايين و أتت بنتائج عكسية يحضرني منها حملة أرنب بطاريات انرجيزر كرد على ديورسل و ذلك الإعلان الذين كان أحد أجمل الإعلانات المضحكة. رغم ذلك فلقد أدت هذه الحملة إلى زيادة مبيعات ديورسل على حساب انرجيزر بسب بسيط لان انرجيزر استخدمت أرنب في حملتها يشابه أرنب ديورسل مما رسخ أرنب ديورسل عند العملاء (كما يسموننا).
http://www.youtube.com/watch?v=qiFQsxGUQOI&feature=related
لذا وجب دائما على أي مسوق أن يضع بالحسبان النتائج المحتملة و ردود أفعالها. و أهمها أن لا يستخف بالعميل لأن لها نتائج وخيمة قد تطول مداها لسنوات أو عقود.
لقد كنت ممن بدأ بالتفكير في تغيير جميع خدمات الاتصال من الجدة إلى موبايلي. و لكن بعد إعلان البرودباند و المعركة و الدب.... آسف "موبايلك" عليك أن تبدأي معي جديد.....

و تقبلوا تحياتي,,,

الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

التدوين ... خيار متأخر!!

كانت بداية معرفتي للتدوين متأخرة بعض الشيء و ذلك من خلال أحد الأصدقاء. منذ ذلك اليوم وفكرة التدوين تمر على بالي مرور الكرام أحيانا و كضيف ثقيل أحيانا أخرى.

أفكار تجذبني له و عوائق فكرية تصدني عنه. فهو يغرني بأحلام تدوين مشاعري و همومي و أحلامي و آرائي و مدي و جزري أو حياديتي أو على الأقل وجهة نظر قاصرة للكتب التي قرأتها.
بينما كان يصدني في الظاهر أعذار توفر الوقت و الظروف العملية و في الباطن رهبة ترجمة أفكاري إلى كلمات قد تفاجئني قبل أي أحد آخر. فكتاباتي السابقة لم تتعدى المجالات الاقتصادية أو الفنية الهندسية المرتبطة مباشرة بعملي. و لم تكن مشاعري يوماَ جزءاَ من كلماتي المدونة في حروف..

لقد تعودنا في مجتمعنا المحافظ أو المنافق أو المتجمل أن نعيش بشخصيتين.... فعندما نتحدث فكرياَ نكون ذلك الشخص المثالي الكامل الرصين المحافظ العاقل المتزن و فوق كل ذلك المتذمر من كل شيء حوله و كأنه ليس جزءاَ مكوناَ لهذا المنقود!! فدائماَ ما نرى نصف الكوب الفارغ و نشبعه نقداَ!!!
و عندماَ نتصرف كثيراَ ما نكون أي شيء عدا ما أفصحنا عنه!!! لماذا؟؟؟ سؤال يبحث عن إجابة متحركة ديناميكية تتغير مع الزمن. فكيف يفصل الفكر عن العمل بهذا الشكل و بهذا الكم؟؟؟ سؤال إجابته متضمنة في إجابة السؤال الأول.
إذا كانت المشكلة التناقض بين القول و العمل فكيف بهما ارتباطاَ بالفكر..
فالإنسان يفكر ثم ينطق أو يعمل. و له الخيار في مزامنة هذه السلسة أو جعلها شخصيات منفصلة..
هذا التناقض هو جوهر رهبتي من التدوين كما هو كامل غايتي...

و بين مد ذلك و جزر تلك... ها أنا أوقع معاهدة سلام بشروط و تنازلات...
فقد تعاهدت مع نفسي على كتابة مشاعري و فكري بصدق بغض النظر عن النظر في ردود الأفعال أو مداهنة المسلمات الفكرية السائدة و بحيادية إلى أقصى ما أستطيع عندما تقتضي...
تعاهدت نفسي بأن أكتب ما أفكر به و لا أخجل أن أقول و أعمل به متى يقتضي..
تعاهدت نفسي بأن أكتب لي أولاَ لأنني من يحتاجها و ليس غيري...
و تنازلت عن الخوف من معرفة مدى سطحية فكري أو ضحالة تفكيري عندما أعيد قراءتها مع الزمن... لأنني لن أنتقل إلى الأعلى ما لم ألم بالأسفل...

و تقبلوا تحياتي,,,