الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

وهم أسميناه "الحب"..



لازال تيار الفكر بشري في نحو متصاعد في تقدير مجموعة من المشاعر أصطلح على تسميتها "الحب". كلمة نمت دائرة معناها لتشمل مساحة أكبر مع الزمن حتى أصبحت تحوي عند بعض المتطرفين هدف الحياة وغايتها لا وسيلة للتعبير عن المكنون ذاته.

اختلفت تعاريف الحب حسب المستوى الفكري الشخصي والمجتمعي. فعند الشباب أصبح الحب قناع للتعبير عن الحاجة الجنسية بوصف مقبول مجتمعياً. بينما عند من هم أنضج، هي وسيلة للحفاظ على التماسك الاجتماعي وحمايته من التفكك أو بالأحرى دعم قوى الوصاية الفردية على باقي أفراد المجموعة. فباسم الحب كان التغزل بالمحبوب وجسده وباسم الحب كان حفاظ الراعي "الأب" على غنمه "الزوجة والأبناء".

عقلياً، لا يحمل الحب معنى محدد يمكن قياسه أو حتى تحديد معالمه. فهي كلمة مرنة يمكن أن تشمل الحياة أو أن لا تشمل شيئا على الإطلاق. فكل من ضيع معنى لوصف مجموعة من المشاعر أسماها "حباً". وكل من سيطرت عليه غريزة حيوانية تغنى بالحب الذي أصابه بمقتل. وكل من أراد السيطرة على إنسان آخر، برر له المسببات بالهوى والعشق. فهي بالنهاية أنانية شخصية وشهوة التملك البشرية نتجمل بوصفها حباً مقدساً لا يستطيع المقابل دحرها ليتقبلها على التزاماتها المقيدة للحرية الشخصية.
أليس للحب التزامات؟ ألا يحتم ويفرض الحصرية للمحب على المحبوب؟ لماذا يتغنى المحب العذاب الشخصي بينما المحبوب هو الموضوع المدعى؟

التطور الأخير في المجتمعات المعاصرة أصبح في مرحلة متقدمة جداً من هذا الوهم. حيث أصبح الغاية والهدف والمتعة في هذه الحياة تأتي من الحب ولا شيء غيره. فأصبح من يدعو للبحث عن الحب كهدف للحياة السعيدة "رغم أن أشهر العشاق قد انتحروا". فاختلط الحب كنتيجة ووصف عن كونه هدف بحد ذاته. وهو ما أدى إلى أن يعيش بعض الذكور وأغلب الإناث في وهم البحث عن المستحيل الوهمي ليؤمنوا به بعمق من غير استشارة عقولهم. فأصبحت هذه الفئة هلامية الفكر والمعنى لا تستطيع شق طريق الحياة من غير وقودهم الأسطوري.

سيقول البعض أن "الحب والعشق مختلفان" وسأقول له "أهلا بك في عالم السفسطاء". وسيقولون "أنك لا تعرف معنى الحب لأنك لم تعشه" وسأقول "ولن أقع مادمت أستشير عقلي قبل غريزتي".
حقيقةً، أرى أنه ليس هناك ما يمكن أن نصفه بـ"الحب" إلا أننا أردنا صياغة الأنانية الفردية إلى معنى يتسالم عليه الجميع بوصف هلامي يمكن أن يكون كل شيء أو لاشيء.. ونحن بالخيار..

آسف لهذه الحدية التي قد تجرح البعض الواهم بالحب وأسراره الدفينة، ولكني أطلب المعذرة وأتطلب من المتلقي التجرد والحيادية والواقعية ما أمكنه وسمح له إحساسه الحبي الدفين بذلك. أعلم أنكم ستعذرونني عندما تعلمون أني أحبكم بكل المعاني الواردة أعلاه وما ذلك إلى حرص عليكم.

الجمعة، 2 ديسمبر 2011

الهوية الإلكترونية.. "بدري علينا"

في أكثر المجتمعات تحفظاً على وجه الأرض، يصعب على بعض أجيالنا المعتقة تقبل مشاركة عموم الخصوصيات. فحتى الأسم يصعب على بعض الرجال البوح به ما لم يكن هناك حاجة ملحة. فكيف بنا بالنساء؟؟ هذا للبعض أكثر سرية من الزئبق الأحمر.

أسترجع هناك النقاش العائلي الذي دار قبل سنتين حول مشاركة نساء العائلة في مواقع التواصل الإجتماعي. فهل يكون لهن حسابات خاصة؟ وهل يفصحن عن أسمائهم الحقيقية؟ عندما جاء دوري في الإدلاء، كان الجواب جاهزاً، فهو خيار شخصي تحدده المعنية من دون تدخل الجنس المتسلط على هذا القرار. في قرارة نفسي كنت أؤمن بأن الهوية الإلكترونية هي واقع حتمي وإن لم يعيه غالبية مجتمعنا في الوقت الحاضر وهي مسألة وقت فقط مهما أرجأناها. في النهاية، إنتصرت الحرية الشخصية في العائلة نصراً مؤزراً ولا عزاء للسلطة الذكورية.

لكن الهوية الإلكترونية في عموم المجتمع السعودي لازالت موضع حيرة عند الكثير. لنجد شخصيات عامة تتساءل عن المغزى من إنشاء حساب في الفيسبوك أو التوتر. حتى أن مسئول كبير سألني مرة عن جدوى وضع سيرته في "Linked In". حيث لم نعي، كمجتمع، أهمية وحتمية أن الإفصاح عن هويتنا بالشبكة العنكبوتية هي جزء من إتصالنا بالعالم الإفتراضي الذي سيصبح هو الرئيسي مع مرور الزمن. وأن التخلف عن الإفصاح سيعيق مزامنتنا بالمجتمع ويؤخر نمونا معرفياً. 

لازال الكثير من الرجال، الذين يجب أن يفخروا بأنفسهم وقد تجاوزوا سن الحكمة، يتسمون بمعرفات مثل "عزوز الذيب" و "الخاين" أو "المرقب" أو "الحب الحزين" أو بافصاح أكثر كـ"أبو محمد الأول". عداك عن الجنس الآخر المجبر على عدم الإفصاح عن حتى المعرف الرمزي. فنحن لدينا مشكلة حقيقية في تحمل تبعات الإفصاح عن مكنوننا المتناقض. حيث نتحرج من التصريح داخلياً بتشويش فكرة تضاد المنطق السليم وممنوعات المجتمع المحافظ. أصبحنا مخلوقات من نوع خاص معاقة عن التسالم مع الواقع الحقيقي. لنحمل هويات متناقضة نلبسها مثل قبعات المناسبات الفكتورية، حسب المجلس أو الموقع. نلبس قبعة الدين في مجلس العائلة الذكوري العام، قبعة "العيارة" في الخاص، الرومنسية في التويتر والفيسبوك والإحترافية في الـ"Linked In". 

مشكلتنا هنا أعمق من أن يحلها بعض الوقت. فتأصل التناقض هو أساس في تكويننا. لذا أرى أنه "بدري علينا" كجيل مخضرم بين المجتمع العادات والتقاليد ومجتمع الإلكترونات أن نبوح بما هو مباح..