الجمعة، 19 فبراير 2010

فنتازيا بيروت.. من على رصيف السوليدير


بيروت ... هذه المدينة الأجمل بين المدن العربية.. ساحرة جيل السبعينات العربي وملهمة المثقفين منه.. عانت الكثير من الويلات بسبب انفتاحها في عالم الإنغلاق فكانت متنفس مكبوتي العالم العربي عموماًِ ومواطني الخليج خصوصاً.

الكثير من الصفات يميز لبنان عن باقي الدول العربية.. أرض حضارات ممتدة ومتتالية، ثقافة شعبها المختلطة، جمال طبيعتها الساحرة، خصوصية شمولها للأعراق والأديان والمذاهب المختلفة، قربها من العدو المشترك، تقدمها الثقافي خلال الجيلين الماضيين والأهم هو اجتماع كل ذلك في كينونة أفرزت التميز بنقاء كنقاء طبيعتها..

المتأمل في بيروت يرى بوضوح تميزها. فتعامل غالبية أهلها الحضاري النسبي يدهش المتجرد حتي يصعب عليه إلصاق صفة العروبة بها. كما أن مغتربيها وزياراتهم السياحية الخاطفة يعكس بعض من جوانب إفرازات تاريخها المعاصر.

زيارتي العائلية السريعة لبيروت أثارت عواصف فكري لحد الإجهاد، فلم أستطع لملمت جميع هذه المتناقضات في شخصية متفردة يمكنني أن أطلقها على بيروت وناسها.. زرت حاضرتها ومعالمها وجبالها وسهولها وتحاورت مع مختلف طبقاتها فكانت الإيجابية طاغية في أغلب الإستنتاجات لم يشوبها إلا باعة السوليدير ورواده..

فالسوليدير ساحة دائرية تحفها المطاعم والمقاهي والقليل من المحلات وفي منتصفها نصب في أعلاه ساعة رولكس يطوف بها السياح العرب وخصوصاً أباعر الخليج متوشحين أغرب الهندام مستعرضين في الجمع بين أغلى الماركات العالمية، من فئة نار الله الموقدة.

ولهؤلاء الرواد طقوس لا يحيدون عنها كل ليلة منذ نزولهم حرم السوليدير حتى انقضاء عمرتهم. حيث يتم النزول من السيارات الفارهة عند المدخل الرئيسي مع مراعاة عدم الإلتفات أو النظر لمن ينتظرون سياراتهم ثم السعي من خلال الممر الرئيسي الذي يحوي مطاعم النصب المحترمة ومن ثم إلقاء نظرة من خلال الإلتفاتة بكامل الجذع (وليس بالرقبة فقط) وكأنهم متعطرين بالنشاء الخاص بالملابس.. وبعد ذلك نزول الساحة لأداء طواف القدوم بعدد يزيد حسب الأجر المرجو لجس نبض المتواجدين والإعلان عن القدوم.. ومن ثم الإتجاه إلى نفس الطاولة الذي يجلسون عليها كل ليلة مباركة. ويراعى خلال الجلوس عدم الكلام إلا بما قل ودل ثم إكمال الخشوع على الأجهزة الجوالة من خلال التحديث المستمر للبحث عن أجهزة بلوتوث جديدة في المدى. وبالأخير طواف الوداع في الساحة معلنين إنتهاء حضورهم الشريف ليقفلوا البلوتوث ويتجهون إلى المدخل الرئيسي منتظرين سيارتهم الخاصة رامقين الآتين الجدد كما رمقوا من قبل..

أما زوار السوليدير أمثالنا، فلا نصيب لهم من المقاهي إلا الطاولات الداخلية المقابلة للحيطان أو رصيف ساحة السوليدير المباركة لأن الحصول على طاولة مطلة على الحرم يتطلب صبراً وجلداً وجهاداً لا نعرفه ولا نطيقه لو عرفناه.. لذا كان الرصيف الخيار الأنسب والأقل تكلفة وبحقيقةٍ الأمتع لمشاهدة "المزاين" ومن ثم حمد الله على نعمة العقل التي من بها علينا...

هناك سؤال وحيد لازال يحيرني... كيف يمكننا اللبس بطريقة تميزنا حتى ولو لبسنا نفس الماركات والألوان الذي يلبسها باقي البشر وإن حلقنا حواجبنا ورفعنا تسريحة أعرافنا؟؟

الخميس، 11 فبراير 2010

تعريف الحب.. بعقلانية مجردة

الحب كلمة أشغلت جميع الشعوب في كل الأزمنة.. ورغم ذلك لم يتوصل مجموعة معتبرة من بني البشر لتعريف مجرد لحدود وتشاكيل هذه الكلمة المعضلة.. فالحب هو مزيج من العواطف التي تتشكل من خلال دورات مشاعرية متعددة يصعب على الباحث رسم خطوطها العريضة مهما توغل في أعماق أفكاره السحيقة..
ولو أستطعنا أن نبحثها بعقلانية متجردة، كما لم يبحثها جل الباحثين والمتفلسفين من قبل، لتوصلنا إلى نتيجة قاسية لم ولن يقبلها المحبين على إختلافهم. لكننا سنحاول وحسبي الله ونعم الوكيل مقدماً..

ولأن الناس تحب بعواطفها لا بعقولها، نجد التذمر من الطرف الآخر أحياناً والسادية في أحيانٍ أخرى هي الطاغية في معادلة الحب ذات العوامل المتغيّرة والمتعددة لتكون مستحيلة الحل في الفضاء العقلي المجرد.

الحب في نظري هو عبارة عن تيارات عاطفية متدفقة تنشئ من فروقات في مستويات الفكر أو الحالة الإجتماعية أو التناغم الجسدي المحض بين المتحابين. لذا نجد من يملك شخصية متميزة أقرب أن يُحَب من أن يُحِب لأن التيار يكون في إتجاه فردي بسبب كون مستواه أعلى من الطرف الآخر ومما يولد فرق الجاذبية ومن ثم تدفق المشاعر ليكون الطرف الأعلى هو المسيطر في هذه العلاقة. ومتى ما خفت تدفق هذا التيار خفت الحب معه من خلال دورات الزمن المتغير.

وهنا يبرز سؤال مهم عن طبيعة الحاجة إلى الحب وبحث أغلب الناس الدائم عنه..
فهل الحب ضرورة بشرية سنها الله في غرائزنا؟؟
أم أنه كمالية إكتسبناها على ضوء إستحضار المجتمع المحيط لهذه المشاعر وإستثارتها؟؟
الجواب المفصلي هنا يصعب مثل صعوبة تعريف الكلمة لأنه يتطلب إستجلاب تاريخ الأمم التي قبلنا والتي تناقلت حضارتها عبر الزمن لتصل إلينا عواطفها ومشاعرها والتي لم توضح بجدية في كتب التاريخ الغابرة..

وقد يكون الأنسب لإجابة هذا السؤال هو بحث عواطف الأمم المنقطعة عن بقية العالم مثل شعوب أستراليا وغابات الأمازون بُعيد دخول المستعمر المادي وقبل إختلاط الفكر من الطرفين..

وإن كان لنا يجب أن نحب.. فليكن مثلما أحب جرير القائل:

ياأم يا أم عمرو جزاك الله مغفرة **** ردي علي فؤادي كالذي كانا
ألست أملح من يمشي علـى قـدم **** يا أملح الناس كل الناس انسانا
يلقى غريمكم من غير عسرتكم **** بالبذل بخلا وبالاحسان حرمانا
قد خنت من لم يكن يخشى خيانتكم **** ماكنت أول موثوق به خانا
لقد كتمت الهوى حتى تهيجني **** لا أستطيـع لهـذا الحـب كتمانا
كاد الهوى يوم سلمانين يقتلني **** وكـاد يقتلني يوما ببيدانا
لا بارك الله في من كان يحسبكم **** الا على العهد حتى كانا ماكانا
لا بارك الله في الدنيا اذا انقطعـت **** أسباب دنياك من اسباب دنيانا
مااحدث الدهر مما تعلمين لكم **** للحبل صرما ولا للعهد نسيانا
ان العيون التي في طرفها حور **** قتلتنـا ثم لم يحين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لاحراك به **** وهن اضعف خلق الله اركانا
ياحبذا جبل الريان من جبل **** وحبذا ساكن الريان من كانا
وحبـذا نفحات من يمانيه **** تأتيك من قبل الريان احيانا

السبت، 6 فبراير 2010

عجلة السعادة.. بين السعي والتحقيق

السعادة....

لو سألنا ما هو تعريف السعادة لإختلفت إجاباتنا على ضوء منظور وخلفية ومرحلة كل منا..
فنجد المحتاج يعرفها بسد الحاجات ولو سدت حاجاته عرفها بتوفر الكماليات ولو توفر كمالياته لساح في فلسفة فكره وعرفها بقناعات طرقها من كان قبله وإن إختلفت اللغات.. ولو تعمق أكثر توصل إلى اللاشيء ليجد نفسه قد فقد سد حاجاته ليعود جارياً وراء ها في عجلة تدور كما يدور الزمن بلا إنتهاء وإن إختلفت الأدوار...

وفي تحسس لهذه الدورة نجد أن النسبية هي المسيطرة على بلوغ هدف السعادة.. فالنسبية تلتزم البداية من وضعية ومن ثم الإرتقاء إلى وضيعة أفضل منها مع بلوغ الهدف المرحلي الذي يصبح بالتالي كالسراب عند بلوغه لنبحث بعده عن هدف أو سراب آخر نسعى لتحقيقه..

وغالباً ما يختلط علينا سعادة السعي لتحقيق الهدف وسعادة تحقيقه... وهذا هو الإختلاف الجوهري بيننا وبن الشعوب الواقعية حيث تجدنا نتجرد من سعادة السعي إنحيازاً لسعادة التحقيق مما يفقدنا لذة الحياة في أغلب مراحلها لأن مدة السعي تفوق بكثير لحظات إدراك تحقيق الهدف..

هذا بالغالب يجعلنا نعيش التعاسة جل فترات أعمارنا لأنها فترات سعي مما يفرز السلبية السائدة في مجتمعنا متذمرين من الواقع ساعين مجهدين لتحقيق سعادتنا لا متخذيها كطريقة للحياة..