الأحد، 27 ديسمبر 2009

مقومات نشأة حضارات الأمم (2/2)..

"الجزء الثاني"

ذكرنا في الجزء الأول أمثلة من الحضارات العظيمة التي نشأت في البلاد التي تملك المقومات المادية من ماء وثروات طبيعية وتعداد سكاني. ولكن ماذا عن الحضارات التي إنطلقت من البلاد التي لم تملك هذه الثروات وإنتشرت رقعتها في أرجاء المعمورة مثل الحضارة المغولية والحضارة الإسلامية؟

في رأيي أن هذه الحضارات إستعاضت عن نقصت ثروات أراضيها بقوة الأيدلوجية. حيث كانت أيدلوجية الحرب والشجاعة هي العامل الذي عوض نقص المغول للغذاء والمعادن والغذاء والعلم. ثم لم تلبث أن إستولت على بقايا الحاضرة الصينية وأراضيها الغنية بالثروات لتكون وقود حضارتها الذي غزت بها أغلب العالم القديم. ولكون أيدلوجية الحرب المتطرفة لا تكفي للإستمرارية، تبنى المغول وقائدهم العظيم جنكيز خان جوانب النقص في الإيدلوجية من علوم مادية ووسائل متقدمة في عصرها من الحضارتين الصينية ومن ثم الهندية ليقحم في الحضارة التي قاد بدايتها.

أما الحضارة الإسلامية فنشأت في أحد أقفر بقاع الأرض أو ما يسمى جزيرة العرب. ولكن قوة الأيدلوجية السماوية الكاملة كانت وقوداً كافياً في بدايتها. ثم كان مفصل التحول هو الإستيلاء على بقايا الحضارتين الفارسية والرومانية في الشام والعراق وبلاد فارس و خيرات شمال أفريقية فأمدتها بالغذاء والأعداد البشرية اللازمة لنشأة حضارتها. مما أكمل عقد مقومات قيام حضارة مستمرة سادت أغلب العالم لمئات من السنين. وكانت القيادة المخلصة ممثلةً بالنبي القائد محمد قدوة أحتذى بها أبناء هذه الأمة ثم حادوا عنها كما هي سنن من كان قبلهم من حضارات فتفتت هذه الحضارة إلى ما نعيش به من دويلات.

وتنطبق هذه المعايير على الحضارات الموشكة على الاضمحلال مثل الحضارة اليابانية الثانية والأوروبية الثائرة على الكنيسة أو المعاصرة مثل الحضارة الأمريكية الممتدة من الحضارة الأوروبية أو الناشئة مثل الحضارة الصينية الثانية.

وعليه نجد أن نشأت حضارة الأمم تستلزم وجود العوامل الرئيسية الثلاث من ظهور أيدلوجية عملية ومقومات المادية وقيادة مخلصة.
ولو جاز لنا قراءة مستقبل العالم المعاصر على ضوء هذه الإستنتاجات، لتوصلنا إلى نتائج إحتمالية في توقع الحضارات القادمة.

حالياً الحضارة الصينية الثانية واضحة المعالم بشكل كبير. فتبني الأيدلوجية الشيوعية وتعديلها لتصبح أقرب إلى الإشتراكية كان محور قيام حضارتهم المعاصرة. كما لا ينقص الصين عامل ثروات طبيعية أو أعداد بشرية ولا قيادة مخلصة. ولكن معدل إنحدار إخلاص القيادة مقابل إستغلال الثروات يمثل الخطر الأعظم في إستمرار هذه الحضارة وتوسعها. وإذا ما إجتازت هذا الخطر سيكون توسع الصينيين وإستيلائهم على الأراضي المجاورة آتي لا محالة في السنوات العشرين القادمة.

أما عن الحضارات التي في طور النشوء، فأبرزها الحضارة الهندية الثانية والتي تملك حالياً مقومات الأيدلوجية المستمدة من حضارة الفيدا البائدة والقيم التسامحية التي إكتسبتها خلال القرون المديدة الماضية. كما تقوم الهند الحالية على أحد أغنى بقاع الأرض وتملك كثافة سكانية تمثل سدس سكان الأرض الأحياء. وقد كان لغاندي أعظم الأثر في إنطلاق شرارة حضارتهم المحتملة ولكن لم يكن لها ما كان للصين في توحدهم على أيدلوجية عملية. فكان تناحر الأديان العامل المؤخر أو المنهي لهذه الحضارة الناشئة.

أما عن الحضارات المحتملة النشوء على ضوء العوامل الثلاث، فهي حضارة أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا (أندونيسيا وماليزيا) ويمكننا مجازاً القول الحضارة الإسلامية الثانية التي يمكن أن تنطلق من شبه الجزيرة العربية. ولكن أمريكا اللاتينية ينقصها الأيدلوجية العملية والجديدة التي يحفزها ظهور قيادة مخلصة. فالتصوف المسيحي لازال قابعاً في مؤخرات عقلوهم. وهو ما ينقص أيضاً جنوب شرق آسيا حيث يسيطر التصوف الإسلامي على أبناء شعبها بشكل كبير.

أما نحن فنملك المقومات المادية من الوقود الأحفوري يمثل نصف إحتياطي العالم ومعادن حبانا بها الله قد يمثل بعضها سلع إستراتيجية مماثلة للنفط تساند نشوء حضارتنا من جديد. كما لازلنا نحتفظ ببقايا أيدلوجية الإسلام الكاملة والتي حيد بها عن الصراط المستقيم عبر الزمن.
فما الذي ينقصنا لنقوم بحضارتنا من جديد؟؟

أعتقد أن الزمن هو العامل الذي سيحدد نشوء حضارتنا من عدمها. فالأيدلوجية موجودة ولكنها تحتاج إلى تقويم لتصبح عملية. ففي الماضي القريب لم تنجح أيدلوجية التطرف اليمين السائد في المملكة وبعض دول الخليج في نهوضنا كحاضرة كما لم تنجح أيدلوجية الأخوان المسلمين لعدم إخلاص قياداتها. كما لم يساعد التعداد البشري المقومات المادية في تحفيز التقدم حيث لازلنا أقلية بالنسبة لسكان الأرض. فهل نحن في الطريق الصحيح؟؟

تشير الإحصاءات السكانية أن منطقة الخليج العربي (أو الفارسي الغربي) هي أكثر المناطق نسبة في النمو السكاني. وهو ما سيساعد في تخطي عقبة التعداد المطلوب في نشأة الحضارة عبر السنين القادمة. ولكن الأيدلوجية الحالية تحتاج إلى الزمن أيضاً لتقويمها وإن كانت البوادر إيجابية في ذلك. كما أن نظام الملكية السائدة يضمن بعض الإستقرار المطلوب لنشأة الحضارة وإن كانت تحتاج إلى التقويم الذي، كما أراه، يسير إيجابياً على ضوء القيادات الجديدة لحكام المنطقة ومن خلال تزايد الشفافية ومشاركة العامة بالقرارات المصيرية. وهو ما يهيئ لظهور القيادات المخلصة التي تتبنى الأيدلوجية القويمة لاكتمال عقد مقومات الحضارة المنتظرة؟

في النهاية، عشرات السنين لا تمثل الكثير في التاريخ وقد نحتاج إلى مئة إلى مئتي عاماً أخرى قبل ظهور حضارتنا من جديد. وما علينا إلا المساهمة في تصحيح أيدلوجيتنا والتفكير الإيجابي في السعي إلى خدمة حضارتنا..

الأحد، 29 نوفمبر 2009

مقومات نشأة حضارات الأمم (1/2)..

"الجزء الأول"

عند قراءتنا لتاريخ حضارات الأمم الفانية والحاضرة، نجد بوضوح أن كل أمة منها ارتكزت إلى على ثلاث عوامل رئيسية في نشأة حضارتها وهي المقومات المادية والأيدلوجية عملية ومن ثم ظهور القيادة المخلصة والحازمة التي تجمع العامة على الأيدلوجية المشتركة وتستثمر المقومات المادية لخدمة الغالبية العظمى من الشعب أكثر من الاستئثار بها للخاصة القليلة..

ويبسط علماء الاجتماع المعاصرين المقومات المادية بثلاث أخرى أولاها الطاقة البشرية وهي تواجد أعداد من البشر يجمعهم التاريخ (الأصول و اللغة أو أحداث مشتركة) أو الجغرافيا (سواء كانت مادية كطبيعة وتضاريس أو حدود بقايا دول منحلة) ومن خلال أيدلوجية مشتركة. على شرط أن يكون تعداد هذا الشعب مضاهي للحضارات المتزامنة خلال نشوء هذه الحضارة.
وثاني المقومات المادية هو الثروات الطبيعية التي تمول نشأة هذه الحضارة لتمدها بالمال والغذاء الكافي لأفراد الشعب مما يحول دون انشغالهم في تأمينه عن القيام بنهضة الأمة. وثالثها أضيف لاحقاً هو وجود رأس المال الذي يطلق شرارة استثمار الثروات الكامنة في الأرض.

أما الأيدلوجية العملية فيمكن اختصارها في كونها نظرة فكرية شاملة يجتمع الغالبية العظمى من الشعب في الإيمان بها وإتباعها. ووصف "العملية" هنا أساسي في تكوين حضارة منبثقة على ضوءها حيث لا يمكن للأيدلوجيات المتطرفة أن تقود حضارة لمدة طويلة.

وعندما نعدد أكبر الحضارات في التاريخ المعروف يجب أن نبدأ بالحضارة السومرية وبناتها البابلية والآشورية. لنجد أن هذه الحضارات الثلاث نشأت في بلاد الرافدين حيث المياه العذبة والأرض الخصبة وهي الثروات الطبيعية الأهم في زمن بداية العلم. كما قدر عدد البشر في تلك المنطقة زمن الحضارة السومرية, والتي تعد من أكثر الكثافة سكانياً في الأرض المعروفة, ما يعادل مئات الآلاف القليلة قد لا تصل للمليون الأوحد. حيث يقدر عدد السكان في 12 مدينة رئيسية 24 ألف نسمة في كل منها. ويمكننا أن نستنبط بعض أوجه أيدلوجيتهم من آثارهم القليلة المتبقية ومن خلال المعابد التي كانت محور الحياة العامة بالإضافة إلى الأخلاق والقوانين التي وجدناها في شرائع قانون حمورابي الذي يعده بعض المختصون من القوانين التي تنبأ بأيدلوجية حضارة متقدمة بالنسبة لزمنها. أما القيادة المخلصة فيكفينا الاقتباس
التالي:
"وفي ذلك الوقت نادتني الآلهة، أنا حمورابي، الخادم الذي سررت من أعماله، .... والذي كان عوناً لشعبه في الشدائد، .... والذي أفاء عليه الثروة والوفرة....، أن أمنع الأقوياء أن يظلموا الضعفاء وأنشر النور في الأرض، وأرعى مصالح الخلق"
قانون حمورابي – المقدس


ولو طبقنا نفس المقياس لوجدنا الحضارات العظيمة الأخرى لا تحيد كثيراً عن هذه الثوابت. فالحضارة المصرية الفرعونية نشأت بين أحضان النيل الخصبة وكان الفراعنة المؤلهين قواد منهم الحكماء مثل (مينيس) الذي جمع أقطار البلاد وأخناتون "الملك المارق" الذي دعا إلى نبذ الآلهة وعبادة رب أوحد ومنهم دون ذلك وبتعداد سكاني كبير نسبياً تراكم عبر العصور قد يدلل عليه عمل 100 ألف رجل في بناء بعض الأهرام لمدة عشرين سنة. ولتدليل أيدلوجياً يقول أحد ملوك الفراعنة أمينمحيت:
"كنت رجلاً زرع البذور وأحب إله الحصاد
وحياتي في النيل وكل وديانه،
ولم يكن في أيامي جائع ولا ظمآن،
وعاش الناس في سلام بفضل ما عملت وتحدثوا عني".

ثم الحضارة الهندية الأولى التي كانت مهد كتب الفيدا الداعية للتوحيد وفي أرض فيها كل ما يتمنى البشر من المياه العذبة والأراضي الخصبة والمعادن ولم ينقصها قواد عظماء مثل تشاندرا قوبتا موريا. ولنقتبس من تراث الهند البعيدة نقلا عن موسوعة قصة الحضارة:
"أسمى الحقائق هي هذه: الله كائن في الأشياء كلها، إنها صوره الكثيرة، ليس وراء هذه الكائنات إله آخر تبحث عنه... إننا نريد عقيدة دينية تعمل على تكوين الإنسان... اطرح هذه التصرفات المنهكة للقوى وكن قوياً... ومدى الخمسين عاماً المقبلة... لنمح كل ما عدا ذلك من آلهة من صفحات أذهاننا، جنسنا البشري هو الإله الوحيد اليقظان، يداه في كل مكامن، قدماه في كل مكان، أذناه في كل مكان، إنه يشمل كل شيء... إن أولى العبادات كلها هي عبادة من حولنا... ليس يعبد الله إلا من يخدم سائر الكائنات جميعاً"
فيفيدكاناندا

الخميس، 26 نوفمبر 2009

تبسيط آليات إستقبال المدخلات الحسية

لو تناولنا عمليات تكوين الآراء الشخصية من خلال منظور هندسي مبسط جاز لنا ما لم يجز لغيرنا في تبسيط هذه العملية هي الأقرب لبدائية التفكير عند الإنسان الأول.

فكل منا يطور المقاييس الفكرية النسبية لفهم سيل المعلومات الداخلة لعقله. ليكون النظر (القراءة والمشاهدة وترجمة لغة الجسد) والاستماع (ترجمة المعاني والنبرات) واقل منهما الحس هي المداخل الاساسية للمعطيات التي تحللها عقولنا ومن ثم تبرزها مشاعرنا لنطلق أحكامنا (المخرجات) على كل ما ننظر أو نستمع أو نحس.

ولو أردنا تقنيين هذه الآلية علمياً لجرفتنا أمواج وأعاصير عقولنا المعقدة في متاهات سحيقة لنضيع الفكرة الرئيسية المراد معالجتها. فيختلط حابل أفكارنا بنابله لنخرج في أغلب الأحيان بفكرة ضبابية تحنف بنا عن فهم ووعي شمولية المعلومة ومن ثم دقة مخرجاتها. لذا كان التبسيط هو الوسيلة الأنسب لضمان استمرار ثبات المعايير النسبية في التحليل الذي ينتج مخرجات متناغمة.

فكيف لنا تبسيط هذه الآليات المعقدة لاستقبال المدخلات من دون اهمال شمولية المعلومة؟؟

في إعتقادي إن تطوير مهارات فكرية ضرورية هو الأنسب للوصول لهذا التبسيط. المهارة الأولى الأساسية لفهم ووعي المعلومة هو الإطلاع المبدئي. بحيث يكون هذا الإطلاع شامل لمجموعة من المعلومات المجردة التي تقبل أقل قدر من الإختلاف بين أعضاء مجموعة البحث. فإذا توصلنا لهذه القاعدة كان طريقة البحث والتحليل هي الفيصل في توافق الأحكام الناتجة (المخرجات) من آلية العملية البحثية الكاملة.

هنا تأتي الحاجة للمهارة الثانية في عمل آلية التحليل الفكري الشخصي والتي تبسط هذه العملية المعقدة والمرهقة وهي الأصعب والاكثر استنزافاً لخلايا العقل البشري المعقد أصلاً..!! عن نفسي، لم أجد أفضل من التجرد قياساً وآلية قد تضمن، بنسبة جيدة، شبه ثبات لمخرجات العمليات الفكرية التحليلية. هذا يقودنا إلى الحاجة لتطوير مقياس عملي للتجرد حتى لا نتيه من جديد..!

أظن أن المقياس العملي للتجرد هو فهم ومن ثم تفهم أو رد وجهة نظر جميع الأطراف والنقائض وهو أقل ما يؤهلنا في مقياس التجرد لإطلاق أحكاما هي أقرب للصواب منها للعاطفة. و للوصول لهذه الدرجة من التجرد، وإن تعارضت مع مسلماتنا، يتحتم علينا وعي وجهات النظر النقيضة من خلال تجردنا الصرف بالتفكير كما فكر الطرف الآخر على ضوء خلفياته التعليمية والاجتماعية والدينية والعقائدية..

فإذا ما إطلعنا وأتقنا تجردنا، كانت مخرجات أحكامنا أقرب للصواب الثابت وأدعي للإتفاق مع المتجردين الآخير لنصبح في نطاق طبقة الأغلبية الواقعية البعيدة عن أهواء العواطف.

الخميس، 12 نوفمبر 2009

بتجرد.. حالة زيد

نشأ زيد في بلدة جبلية صغيرة وفي مجتمع اتخذ من المذهب العقائدي والعادات والتقاليد السائدة أحكام يعيش على ضوءها ويدندن حولها. لم يكن له طموح أكبر من أن يعيش في مستوى مدني يتناسب مع ما من الله عليه في أرضه ساعياً لطلب الرزق من خلال ماشيته المتواضعة وبفهمه وتفهمه لجيرانه وإخوانه من خلال ما تعلم من معلمه الذي كان يقود القرية الجبلية.

ولكن ثورة بعض إخوانه على معلمه وتسلمهم زعامة القرية، انتقصت بعض من حقوقه العقائدية حسب رأيه. و أمر من ذلك، سلبت بعض حقوقه المدنية المتواضعة أصلاً. فما كان منه إلا أن لجأ إلى زعماء المدينة البعيدة الذين مدوا له يد العون في الظاهر رغم إضمار نصرت عقائدهم بإيجاد أتباع جدد تتقاطع معهم بالمصالح وشيء من العقائد رغم أن عقائد زيد أقرب لإخوانه منها لهم.

فاستغل زعماء المدينة البعيدة ذلك الانتقاص في الحقوق ليكون مدخلهم للتأثير على عقائد زيد لتحقيق أهدافهم المبطنة. فأمدوه بالمال لفينة من الزمن حتى يعتمد عليهم ولا يستطيع أن يعود لسابق معيشته البسيطة. فما كان منهم إلا أن بدءوا بفرض آراءهم عليه ليثور على إخوانه. فمدوه بالسلاح والعتاد لاستعادة بعض حقوقه المغتصبة مما قاد إلى معارك عائلية دامية خسرت على ضوءها قريتهم العديد من الأرواح والأنفس والأموال الشحيحة أصلاً.

ومع انتشار رقعة المعركة، لقوة إخوانه النسبية واستمرار دعم زعماء المدينة البعيدة، لتصل إلى حدود القرية المتاخمة للمدينة القريبة. ورغم أن هذه المدينة القريبة قد استقبلت ودعمت معلمه عند تهجيره من قبل إخوانه، إلا أن غبار المعركة أصاب بعض سكان المدينة القريبة مما أثارها عليه لتدخل المعركة بقوتها وعتادها فاختلط الحابل بالنابل وصار زيد في موقف من يدافع على أكثر من جبهة مع أكثر من أخ.

حزن زيد على فقده لأبنائه وعدم الاستفادة من أموال القرية البعيدة لتحسين مستوى معيشته وحزن إخوانه لتقويض سيادتهم وحزنت المدينة القريبة لاجترارها لمعركة لا ناقة لها فيها ولا جمل. كما فرح زعماء المدينة البعيدة لخدمة هذه المعركة لأهدافهم غير المعلنة، بتورط المدينة القريبة المختلفة فكريا معهم، بالمعركة.

وفي النهاية، لم يجد زيداً خلاصاً لمشاكله ولم يربح أخوانه سيطرتهم وغاصت المدينة القريبة في حرب استنزاف وتشتت وربح زعماء القرية البعيدة بدعم أهدافهم...

الثلاثاء، 3 نوفمبر 2009

بين وصايتي اليمين واليسار!! لم ينجح أحد

إكمالاً لمواضيعنا عن الحصانة, ومن خلال نقدنا في المقال السابق" للمرحلة الانتقالية", تتجلى لنا رؤية أطراف النزاع القائم بشكل أوضح كلما تجدد حدث كبيراً كان أم صغيرا. فكلمة لأحدى طرفي النقيض يمكن أن تثار وتضخم من قبل النقيض الآخر لتصبح معركة في الإعلام الرسمي.

شاهد ذلك هو كلمة صالح الحصين عن تعريف الوطنية ورد عبدالله الفوزان عليه ثم تتابع الناقدين والمؤيدين من الطرفين بسخرية تجعلنا نتساءل عن ماهية الهدف من هذه المعركة!!؟؟ فهل المراد هو الإصلاح من الطرفين أم هو فرصة لتحقيق مصالح شخصية لأي من الأطراف!؟

عن نفسي, فدائماً ما أقرأ مقالات المعارك الاجتماعية بحميمية لفهم ما تحمل من مشاعر وتوجهات شخصية. فإذا ما استنتجت أن كاتب المقال يبحث عن التقارب اكثر من الاقتصاص أو إبهار القارئ, كان الجانب الإصلاحي هو الطاغي في فكر الشخص. فالتوصل إلى نتائج يكون من خلال السعي إلى التقارب أكثر منه من خلال الإقصاء المباشر. فإن كان الشخص يملك فكراً مناسباً للزمن المناسب ومخلصاُ في إصلاحه, غنم جميع المكاسب من نصرة فكره واجتذاب المؤيدين وكشف عدم سعي الطرف الآخر للإصلاح من عدمه وفوق ذلك كله إبهار المتلقين والمتفرجين. اما اذا كان الكاتب يحاول تصيد الاخطاء وبشخصية، كان الحكم السلبي هو الطاغي.

مشكلتنا كمتلقين, أن تيار اليسار الحالي نشأ وترعرع أصلاً في كنف التيار اليميني. ففهم غاياته وأساليبه, وفوق ذلك أصبح يطمح لتحقيق نفس المصالح والمكاسب التي تمتع بها الطرف اليميني لعقود عديدة. فعلى ضوء المتغيرات الحديثة في شفافية وحرية الإعلام من صحف وشبكة عنكبوتيه وبريد الكتروني, إضافة إلى سعي الدولة للحيادية على قدر المستطاع, انكشفت ظهورنا وغدينا غنيمة سائغة لكل من أراد أن يفرض علينا فكراً جديداً أو إشباعا لشهوته من السلطة والتسلط..!!
أصبح صراع تولي الحصانة على المجتمع هو الهدف أو الوسيلة التي تؤدي إلى تحقيق الأهداف فكريةً كانت أم شخصية, وللأسف من كلا الطرفين.

فطرف اليمين وفارس معركته هذه المرة يطلب من الطرف الآخر الاستعانة بطلبة علم شرعي ليفهم فحوى كلامه؟؟ هنا تنكشف خفايا الغايات بشكل كبير. طرف اليمين بدأ يفقد امتيازات تزعم المجتمع فكريا!!. فقد أصبح العامة (كما يسموننا) يفكرون في الحدث ذاته ومن خلال عقولهم وهو ما لم يعهدوه منهم في العقود الماضية بتسليم الفكر لأهل العلم المؤهلين لألا يصبحوا "عقليين" مثل "القصيمي" و "العياذ بالله"!!!
أما فارس اليسار الذي من المفروض أن يكون مدرساً لمراحل عليا, يرد باستهزاء بقوله أنه استشار بعض أهل العلم ولم يصل إلى فهم ثابت لفحوى فهم الطرف الآخر!!! ثم ينتقل لنقد الأجهزة الحكومية لعدم تطبيقيها توصيات الحوار الذي يرأسه الفارس اليميني. ثم يكمل الباقين مداخلتهم ببعض التعابير المعممة لا يرجى منها إلا تهميش العامي لنفسه وإبهاره من غير غاية محددة!!؟ أو الانحياز ودعم أحد الأطراف على حساب الآخر دون نقد الحدث ذاته واحتماليات التوافق لخدمة الهدف الأسمى..

هنا فقط أطلقت العنان لاستنتاجاتي السجينة، حيث اتضح صير معركة الأطراف المتناحرة إلى معركة مصالح شخصية صرفة لا يرجى منها أي حلول تضيف إلى المجتمع ونماءه.

لقد افترضت عدة تعهدات في بداية تدويني.. ولكني ها هنا انقض أولاها في هذه المقالة لأكون تقريرياً وبدرجة اقل من التجرد الذي ارتضيته لنفسي!!

السبت، 31 أكتوبر 2009

مجتمع المتذمرين…!!

أجمل ما في حضارة الأمريكان السطحية (لحد ما) تصنيف الفئات السلبية في المجمع ونبزها بألقاب خاصة. فإما أن يحذر الشخص من الوقوع في هذه الفئة أو يتم عزل تأثير عضوها على المجتمع. لذا تجدهم يصنفون من يكره الجديد ويرى أن القديم دائماً أفضل بـ"ماضيين" ومن يختلف في اللبس والتصرفات عن باقي العامة بـ""geek أي شاذ أو غريب. ومن يكثر التذمر بـ"متذمر" أو "متضجر". وعن مجتمعنا, فنحن كثيراً ما نقع في الأولى وقد نحتاج الثانية قريباً ولكننا نعيش الثالثة كظاهرة!!

في أي مجلس من مجالسنا من الجنسين ومن جميع الفئات السنية تجد التذمر هو الطاغي على أغلب الأحاديث اجتماعية كانت أم اقتصادية أم تاريخية أم أم.... تجد الرجل يتذمر من زوجته وأولاده وكذا الزوجة وكذا الأولاد. تجد 99% من الموظفين غير راضين عن وظائفهم أو مدرائهم أو سياسات شركاتهم أو وزاراتهم. تجد الجميع يتذمرون من الجو والعمل وغلاء المعيشة وحالة الشوارع والدولة التي لم ترد لهم خسائرهم في الأسهم إضافةً إلى جميع من يأتي ذكره من غير الحاضرين!!! تجد مقالات التذمر (لا أسميه نقداً) مثل "عقال الوزير" ومقال الإكس شيخ عن الغربي "الذي لديه ولدان أحدهما مهندس والثاني طبيب" يرسل لك بالبريد الإلكتروني من عشر أشخاص عند صدوره ومرة بالشهر عند اللزوم..

فنحن نتذمر من إسفاف التلفزيون والمسلسلات الخليجية والفيديو كليب لنشاهدها متى ما حانت الفرصة. نتذمر من غلاء المعيشة وكثرة المكوس مقارنة بالغير رغم كون المملكة من أرخص الدول الغنية معيشة ومن أعلاها كصافي دخل (كنسبة المتبقي من الراتب إلى الإجمالي بعد خصم الاستحقاقات الرئيسية). تجدنا نتذمر من تحويلات الطرق ثم بعدها مباشرة نتذمر من عدم وجود الخدمات. نتذمر من سوء القيادة في شوارعنا وننسى أن هؤلاء القواد هم أنا وأنت. تجدنا نتذمر من الرياض وجدة والدمام مقارنة بجدة والدمام والرياض.

أصبح المجتمع ينظر إلى كل الأمور بنظارة شمسية سوداء يرتديها ليلاً نهاراً. فدأبنا لا نرى إلا السلبيات من الأمور حتى اعتدناها كحياة واستمتعنا فيها بسادية. أضحى الكثير منا غير منتجين لأن التذمر عدو الإنتاج والنجاح رغم أننا نملك وبقوة جميع عوامل النجاح. فنحن نملك الشعب كطاقة بشرية ونملك أعظم الثروات الطبيعية لتمويل النهوض بحضارتنا ونملك حكومة مستقرة تضمن تراكم هذه الحضارة من دون انقطاعات قسرية. رغم هذا وذاك, تجدنا أكثر من يصدر مهاجرين كنسبة من الدول غنية!!

فما هي المشكلة؟؟ وما هي الحلول؟؟
هل المشكلة أننا لازلنا نسمي التذمر نقداً رغم أن النقد يتبعه اقتراح حلول وعمل على تنفيذها والتذمر يتبعه التأفف!!؟؟ هل أننا مرفهين لدرجة تجعلنا نبحث عن النقص أكثر من تمتعنا بالواقع!!؟؟ أم نحن فعلاً أتعس شعب على وجه الأرض لأننا أكثر الشعوب تذمراً!!؟؟

في لقائي الأسبوعي في القهوة الغربية مع أحد الأصدقاء ناقشنا الحالة الأممية التذمرية, فتوافقنا, كأغلب الأحيان, على تفشيه كظاهرة مما أوحى إلي بكتابة هذا المقال. ولكن وأنا في نهايته, أرى أننا تذمرنا من ظاهرة التذمر والمتذمرين وذلك إثباتاً لأن نكون عناصر فعالة في المجتمع ولأن لا نكون من الـ"geeks" في مجتمع التذمر.
وختاماً أرجو أن أكون قد تذمرت بالشكل الصحيح عن ظاهرة التذمر لما في ذلك من إراحة للنفس بإلقاء التهم على الآخرين لأكمل باقي أسبوعي رافع الرأس....!!!

الجمعة، 23 أكتوبر 2009

التجرد... مهارة متى نتقنها؟

عندما نكون وجهة نظر شخصية عن حدث ما, تتشكل آراءنا من خلال مجموعة من العوامل يمكنها أن نصنفها زمنيا بالخبرات والمواقف الشخصية و المسلمات العقائدية أو الاجتماعية (الماضي), واقع الحدث (الحاضر) وتوقع التبعات (المستقبل).

و إذا افترضنا تقارب وضوح واقع الحدث للجميع, وكان استقراء وتوقع التبعات هو نتيجة لما يسبقه, أصبحت خبراتنا ومواقفنا الشخصية العامل الوحيد المسبب لإختلاف وجهات النظر.

رغم كون واقع الحدث هو ذاته للطرفين, إلا أن هذه الوجهات قد تتباين لدرجة قد تتسبب في أزمات أو حتى تقود إلى حروب مدمرة. لا أتحدث هنا عن صراع المصالح بين الأشخاص أو الدول لأن هذا شيء آخر قد يكون حتميا في أحيان كثيرة. ولكني أتحدث عن تباين وجهات النظر الخاصة أو المؤطرة التي تقود لهذه الاختلافات ومن ثم الخلافات.

فنحن نرى كيف أن مشجعي فريقين متبارين ينظرون لأحداث مباراة بتباين يجعلك تتساءل "هل كانوا يشاهدون المباراة نفسها؟؟"

فكيف لنا أن نصل إلى أفضل تقييم مشترك لواقع الحدث رغم إختلاف مواضينا لنكوُن أقرب وجهات نظر قابلة للتناغم أكثر منها للتناحر؟؟

عن نفسي، أرى أن التجرد هو أفضل طريقة عملية قد تقودنا إلى الرقي بواقعنا وجعل مواضع إتفاقنا أكثر من إختلافنا. فكلما تجردنا من الأحكام المسبقة عند تكوين الرأي الشخصي كلما كانت آرائنا أقرب وأدعى بأن نتفق أكثر.

والحقيقة جميعنا نظن ونصرح بأننا متجردون.. ولكن ما هو مقياسنا لتجردنا..؟

أظن أن المقياس العملي للتجرد هو فهم ومن ثم تفهم أو رد وجهة نظر جميع الأطراف والنقائض.. فإذا استطعت مثلاُ أن أفهم, وإن لم أتفهم, وجهة نظر بوش في الحرب على العراق ووجهة نظر صدام في احتلاله للكويت أو شارون في صبرا وشاتيلا أو حماس في عدم تسليمها لسلطة غزة رغم سقوط آلاف الأطفال ضحايا بدون أن أرد أو أسبب هذه التصرفات إلى الهوى والمصالح الشخصية, عندها فقط، أصبح مؤهلاً في مقياس التجرد لأطلق أحكاما هي أقرب للصواب منها للعاطفة.

السؤال الأصعب كيف يمكننا للوصول لهذه الدرجة من التجرد وإن تعارضت مع مسلماتنا؟؟ هنا تلعب ثقافتنا وإطلاعنا الدور الرئيسي في فهم وجهات النظر النقيضة من خلال تجردنا الصرف بالتفكير كما يفكرون على ضوء خلفياتهم التعليمية والاجتماعية والدينية والعقائدية.. فبوش قد كان يرى التدخل في العراق هو الحل الانسب لأمته وشعبه وكذلك صدام في الكويت وكذا الباقين و إن كنا لا نوافقهم فيما آلوا إليه..

لم آتي إلا بسرد ما تحثنا عقولنا عند تكوين رأي شخصي فكثيراً ما كنا نفكر بمدى تجردنا عن غيرنا "الغير المتجردين" بينما يرى الطرف الآخر العكس صحيحاً. ولكن المهم هو أن نتقن مهارة التجرد في عقلنا الباطن وليس الظاهر فقط. لأننا إن لم نفعل ذلك، إختلفنا وإن لم نكن مختلفين!!

السبت، 17 أكتوبر 2009

الأخ المحترم الشيخ الدكتور المهندس أبو محمد الأول....حفظني الله..!!

نشأت الألقاب التي تسبق الأسماء، فيما أظن، خلال العصور الوسطى في أوربا. حيث بدأ استخدام ألقاب مثل الدوق والسير وغيرها لتمييز طبقة النبلاء وعلية القوم عن طبقة الشعب. وعندما غزى العثمانيين أوربا بعد فتح القسطنطينية، تقمص الترك هذه الآلية وصنفوا طبقاتهم لتحوي أفندي وباشا اجتماعيا وإلى ألقاب ذاب طابع عملي مثل مشير وخديوي. ثم نقلوها إلى المناطق العربية التي احتلوها مثل الشام ومصر وبقية الأقاليم العربية الأخرى. وبما أننا ورثنا بعض القوانين العملية من أقرب حضارة عند نشوء المملكة وهي مصر الملقبة بـ"أم الدنيا"، تقمصنا بدورنا بعض هذه الألقاب وأضفنا البعض الآخر توافقاً مع خصوصيتنا. فكان لقب "الشيخ" ذو أسبقية في مجتمعنا يحق لنا أن ندعي حقوق ملكيته الفكرية أو براءة اختراعه.

في الماضي، ارتبط لقب الشيخ في الماضي بعدة مراكز اجتماعية. منها ما هو قبلي أو اجتماعي أو ديني. فكان رأس القبيلة وعترته يسمون شيوخاً. ومدرس الكتاتيب يلقب شيخاً أيضاً. أما الآن فقد أضفنا للمركز الاجتماعي بعداً آخر مثل إضافة لقب شيخ لكل من يملك حفنة من ملايين الريالات ويتأبط بشتاً لسد الفراغ الذي يسبق الاسم. وأكثر من ذلك، أمنعنا في اشتقاق ألقاب مركبة بتر كيم لقب شيخ مع دكتور أو مهندس لنسمي أنفسنا "الشيخ الدكتور" "الشيخ المهندس" وهلم جر...!! حتى أصبحت الألقاب التي تسبق أسماءنا أطول من أسماءنا الطويلة أصلاً. وهنا سارع إخواننا "من غير ما لُقب " إلى الدفاع عن حقوقهم المنتقصة للفوز بنصيبهم من كعكة الألقاب. فحاول المحاسبين (من غير نجاح ملموس) أن يُلقبوا بـ"مح. أي محاسب " أ.. مدرس" أو حتى "ج. للجامعي من التخصصات الأخرى" وكأن عدم وجود لقب ينقص من احترامنا لذاتنا أو احترام الآخرين لنا..!!؟

كانت تبعة هذه الأيدلوجية بحث البعض عن الشهادات الدراسية التي تحقق أحد هذه الألقاب ليزين أسمه ويزهو بها أمام مجتمع يفتخر بما يتقدم أسمه من ألقاب. أصبح الشخص يفني سنيناً من عمره ليكون دكتوراً أو مهندساً أو... أو... و لو كانت هذه الشهادة بعيدة عن توافقها مع إمكاناته الشخصية أو طموحه العملي. وأصبحت, شقق من غرفتين, جامعات (في مصر و اليمن و غيرها) تبيع شهادات لمن لم يستطع الحصول عليها محلياً أو غربياً.

تحول اللقب في مجتمعنا هاجساً في حد ذاته. حتى أني أخجل أشد الخجل عند تقديم أنفسنا أو بعضنا البعض ,في الاجتماعات العملية مع من غيرنا من الأمم, بتعريف أسمائنا مبتدئين بألقاب "الدكتور" و"المهندس" و"المحاسب" و"الجامعي" أو كلها مجتمعة. وأدهى من ذلك، سمعت أحد المتصلين بالـART ، ممن لم يحصل على لقب مُصنف، يقدم نفسه للمذيع ب"معك الأخ المحترم زيد بن عبيد".!!!؟
"لقد أسمعت من ناديت حياً ... و لكن لا حياة لمن تنادي"....

و بما أنني شخصياً لم أستطع أن أغير من حولي بترك الألقاب، فقررت أن أبيع سيارة سائق الإلياذة (
مذكور في مقال سابق) و أشتري بريالاتها شهادة دكتوراه من جامعة كفر الطاووس يكون موضوع طرحها "تصنيف الألقاب لمن لم يُلقب", و أبتاع بالمتبقي حافلة من صنع تاتا الهندية لأتبرع بها لأحد الأندية المشهورة لنقل البراعم, ثم أُضيف لقب شهادتي الجامعية في الهندسة التي طالما تمنعت عن استخدامها لأصبح "الأخ المحترم الشيخ الدكتور المهندس أبو محمد الأول........ حفظني الله".

الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009

المرحلة الإنتقالية.. صراع مصالح أم صراع ايدلوجية؟؟

تحدثنا في المقال السابق "المملكة بين مرحلتي الحصانة" عن كون المملكة تعيش المرحلة الإنتقالية بين مرحلتي حصانة الفرد وحصانة المجتمع. و من سمات هذه المرحلة هو صراع طرفي اليمين و اليسار خلال مراحل متدرجة تبدأ من صراع خفي غير معلن للطرف الأضعف تأيداً من عامة الشعب والدولة ثم صراع مبطن عندما تبدأ قوة هذا الطرف بالتنامي فصراع ظاهر يستطيع الجميع، خاصة وعامة، إحساسه ورؤيته. وإذا جاز لنا التأريخ، فقد تجاوزت المملكة المرحلة الأولى الفرعية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ومنذئذٍ كانت مرحلة الصراع المبطن في حدة متزايدة تظهر لمستقرئي تاريخ إجتماع الشعوب بوضوح وتخفى في أحيانٍ كثيرة على عامة الشعب في مرحلة استنفذت زمنها حسب ما قدر لها.

خلال الأشهر الماضية بدأت المرحلة الأخيرة من عمر المرحلة الإنتقالية في صراع لا يخفي على أحد من طبقات المجتمع في مرحلة فرعية تعد الأطول عمراً خلال هذه المرحلة القصيرة أجلاً، كما ذكرنا في المقال السابق. هذه المرحلة تعد الأقسى على العامة والأصعب على الدولة على حدٍ سواء وذلك لحساسيتها لكل حدث، صغيراً كان أو كبيراً بسبب تعاظم قوة إعلام الطرفين وإنضمام مؤيدين جدد متحمسين تخفاهم بواطن الأمور. وربطاً بالواقع، كانت أحداث إفتتاح جامعة الملك عبدالله الأسبوع الماضي، وما صاحبها من مصادمات أو مهاترات زادت من حدة الفصل، وأظهرت الصراع على الساحة الشعبية بشكل غير مسبوق.

كما ينقسم التياران بشكل أوضح على نفسيها متأثرين بالتأرجح بين يمين خدمة الفكر ويسار المصالح الشخصية مما يلتبس على العامة ويجعلهم متأرجحين بين تأييد التيارين. ومما يزيد التعقيد أكثر، تأرجح رأي المثقفين المتجردين، ذوي النفوذ المتوسط، لاطلاعهم على بعض الخفايا ومن ثم تناقض آرائهم التي هي أحد أهم أدوات العامة للحكم أو الإنحياز إلي أحد الفكرين المتصارعين.

حسنة ذلك، إنقشاع الغمامة عن نشأة تيارات أو مصنفات فرعية للتيارين الرئيسيين أتخذت لها مسميات مسبقة تتراوح من أقصى اليمين "إسلاميين متشددين" مروراً ب"إسلامين معتدلين" ف"إصلاحيين" حتى "إسلاميين ليبراليين" ومن ثم "‍ليبراليين معتدلين" ف"إصلاحيين" و ختاماً "ليبراليين أحرار" في أقصى اليسار. فكلما تباعد الفرق على هذا المحور الأفقي كلما تعاظم التصادم، بينما يكون التوافق المشترك أظهر عند تقارب المصنفين.

تكمن مشكلة مرحلة الصراع الظاهر في تشابه وتداخل الأهداف الفردية بين خدمة الفكر الايدلوجي وشهوات المصالح الفردية لأعلام التيارات المتصارعة. هنا يمكننا جزئياً فهم وإدراك مدى إخلاص أعلام التيارات للايدلوجيتها المعلنة أو سعيها الدؤوب لمصالحها الفردية من خلال قراءة ما بين السطور متحرين إختبار مدى ثبات أسس تبريرات دعمها لحدث أو رأي ما. ولتبسيط إجراء هذا التصنيف، يبدو لي أننا قد نحتاج في هذه المرحلة لأن نصنف أنفسنا "قسرياً" حسب المحور الأفقي المذكور حتي لا نعاني من غثيان التأرجح عند كل حدث مستجد ولنرى بوضح أكبر في مرحلة ضبابية عسيرة ومن ثم إتخاذ القرارات الشخصية المناسبة متجنبين تأثرها بفوات الزمن المناسب لتحقيقها.


الأحد، 4 أكتوبر 2009

السائق الخاص... الإلياذة المعاصرة للأبطال ذوي الطواقي الصفراء!!!

لم يكن لدي قط سائق خاص إلا من ثمانية أيام. مارست فيها دور معلم القيادة في أيام أعدها من أصعب ما مر علي من أيام لا يفوقها رعباً إلا ليالي إختبارات التفسير في المتوسطة. أيام عصيبة مقتضبة تنهك الاعصاب و ترهق القوى بما بها من صعاب. أيام أحمل بها هم الدقائق المعدودة في الصباح و في المساء خلال معارك الذهاب و العودة من و إلى العمل.

إن معاناتي من خلال الشد العصبي الذي أعيشه خلال هذه الدقائق يفوق إحتمال الرجل من عصر الأبطال. فمن كفةٍ كانت الشوارع المستوية (لغةً و شرعاً) متناغمة مع قيادة الشعب المؤدب المحترم المتبع لقوانين المرور بحذافيرها في شوارع الرياض و في كفةٍ أخرى مهارات القيادة الفذة للسائق و اللتان تعاونتا على إنهاك قواي العقلية المتبقية (بعد الجامعة) في زمن قياسي.

لا أدري لماذا تحضرني الإلياذة، كما لم تحضر هومر نفسه، كلما ركبت السيارة مع السائق يإحساس و كأنني أحد الجنود المشاة بجانب أخيل خلال الهجوم على حصن طروادة!!؟؟ فلا أستطيع أن أقود السيارة لتفادي الأهوال و لا تفادي الحراب و السهام التي تشبه خطافية صاحب الاكسنت ذو الطاقية الصفراء (اصلا أو قسراً) المقدام الذي لا يهاب الوغى أو اللعب بأعمار الآخرين و المستمتع بمداعبة الحد الفاصل بين الموت و الحياة كل خمس دقائق.

تحضرني منازلة هكتور بطل طروادة لأخيل بطل اليونان في عصر كان القوة و الشجاعة أو الحماقة تكال بالأطنان بينما تكال الأرواح بحفنة من التراب. يحضرني عليٌ في معركة الخندق و هو يتقدم لابن ود كما يحضرني الزبير في اليرموك و هو يخترق وحيداً مائتي ألف من الروم ذهاباً و عودة في حجز مؤكد. يحضرني خالد في كاظمة و هو يجز عنق رستم و يحضرني القعقاع و هو يتقدم صفوف المسلمين في القادسية غير آبهٍ بالفرس و فيلتهم. بل يحضرني تاريخ معارك الخير و الشر أو الشر و الخير أو الخير و الخير أو الشر و الشر (تبعاً لنظرة الراوي أو المؤلف) كلٍ على حد سواء...

رغم إختلاف الزمن و تماثل المخاطر، فلقد أثبتت لي هذه التجربة بأن شجاعتي لا تقل عن هؤلاء الأبطال عند قبولي أو إستسلامي للركوب في مقعد الراكب بجانب السائق المؤدب ..!!

هنا اتساءل؟؟ هذا حالي و أنا رجل أقود السيارة منذ ما يربو من ربع قرن!! فكيف بامراة (لم تقد دراجة منذ ما قبل الابتدائية عندما اشتري أبوها لأخيها الصغير سيكلاً ذو ثلاث عجلات) مرغمةً على الركوب مع هذا السائق و من مثله لتصل كل يوم إلى غايتها....؟؟؟

"إبتسمي يا أيتها المرأة السعودية فأنتي أشجع مني،،،،!!"

ختاماً،، كم أتمنى صولوناً حكيماً مثل صولون الإغريق أو دكتاتوراً شجاعاً هتلرياً بنصف شنب أو حتى طاغيةً فاشياً يشبه في عفوه موسوليني الطليان لأن يقود عصابة المرور حتى يلقى أبو طاقية صفراء صاحب الاكسنت ما يستحق..

الجمعة، 2 أكتوبر 2009

المملكة بين مرحلتي الحصانة

عشنا في بدايات حياتنا كما عاش آبائنا وأجدادنا من قبل في مجتمعات محافظة تكون الوصاية به للمجتمع القروي أو القبلي ثم مجتمع الدولة المحافظة عند نشأت الدولة السعودية الحديثة. فكان العرف الذي غالباً ما يلبس اللباس الديني هو القوانين الُمسِنة و قاعدة القياس الصحيح للأفعال ثم قامت الدولة بالتزام هذا العرف ذو الصبغة الدينية حسب فهم حينئذٍ وسنته في شرائعها.

فأصبح نتاج ذلك أن الخارج عن هذه القوانين محرماً وغير متوفراً بالعلن مدعوماً بالإعلام المقيد وانعدام الحرية المطلقة ومسانداً من قبل عامة الشعب الذين ارتضوا في أغلبيتهم هذه الحصانة وعاشها من لم يقبلها مرغماً لعدم توفر الخيارات في الغالب ووخامة نتائج مخالفتها. فكانت مرحلة يمكن لنا أن نسيمها مرحلة "حصانة المجتمع" حيث يكون المجتمع محصن بالقوانين المسنة والمؤيدة شعبياً وعدم توفر خيارات خرقها في العلن.

وبداية من تنامي قوة المجتمع المدني مقابل انحسار سُلطة المجتمعين القروي والقبلي و من ثم إنتشار الانترنت والقنوات الفضائية الغير حكومية وتعاظم قوتها في السنوات القليلة الماضية ثم انتهاج حكومة الملك عبدالله منهج الإنفتاح الفكري النسبي أو التدريجي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتوابعها داخلياً ضعفت هذه الحصانة لتوفر البدائل. فنشأت المرحلة الحالية بإيجابياتها وسلبياتها. فهي مرحلة لم يكتمل فيها النضوج الفكري لأفراد المجتمع كما لم تكتمل بها الحرية الشخصية في اختيار ما هو متاح بدون عواقب. لا يتوقع لها ان تطول هذه المرحلة كونها مرحلة إنتقالية بين مرحلتي حصانة المجتمع وحصانة الفرد في في ضوء الحرية الشخصية الغير مطلقة.

واذا آن لنا أن نستقرأ المستقبل، فستكون المرحلة القادمة هي مرحلة "حصانة الفرد" التي يكون الفرد مسئول فيها عن تصرفاته ونتائجها بشكل كامل كما هو المجتمع الأوربي الغربي والآسيوي الشرقي الآن. ومن خصائص هذه المرحلة تكون للخيارات الفردية اليد العليا في الحياة الشخصية وبنتائج تتراوح من أن يكون أبنائنا ناضجي التعليم والفكر وذوي تأثير إيجابي في المجتمع أو مدمني كحول أو مخدرات أو مشردين بلا مأوى أو حتى شاذين جنسياً!!!.

في نظري أن هذه المرحلة قادمة لا محالة. فكيف لنا التعامل مع أبنائنا وتهيئتهم لمرحلة تكون تربيتهم هي أهم وأقوى بل جل ما يملكون من زاد؟
لا أود هنا إفتراض الحلول. فكلٍ أعلم بما هو أصلح وأنسب لأبناءه اذا ارتضى الفرض أصلاً كمنهاج. وعن نفسي فقد خلصت إلى افتراض التعليم ،أياً كان حسب ميول وإمكانات الابن أو البنت، مع افتراض الحد الأدنى من الحدود الدينة الغير مختلف عليها ثم الدعوات الخالصة في صلاتي بالتوفيق..

الاثنين، 28 سبتمبر 2009

قصة الحضارة... الحضارة في قصة

ويل ديورانت صاحب موسوعة "قصة الحضارة" عبقري من عباقرة التاريخ في التاريخ. كتب هذه الموسوعة في أكثر من عشرين عاماً متناولاً تاريخ الأمم و حضارتهم و فنونهم باسلوبٍ أدبي عبقري رائع يجعل القارئ يتلذذ بقراءة التاريخ كرواية تشبه في رومانسياتها روايات شكسبير و في سهولة سردها روايات جفري آرشر و في صياغتها الأدبية أسلوب جابريل جارسيا ماركيز.

تناول تاريخ الحضارات عبر سرد أدبي لتاريخ أمم ما قبل التاريخ بداية بالفصل الأروع نشأة الحضارة في الكتاب الأول كاشفاً عن عبقرية فلسفته و تجرد فكره في حيادية مع النفس توصل لها قليل القليل من بني البشر. قراءة هذا الفصل تولد إحساس غريب للقارئ بالنمو فكرياً لأعوام مديدة في سويعات قليلة. ثم تناول حضارات ما قبل التاريخ سارداً و محللاً الحضارات السومرية و الآشورية ثم المصرية الفرعونية و الهندية و الصينية و اليابانية مروراً باليونانية و الرومانية متنزها في أطياف الزمن الغابر حتى حط به الرحال بالحضارة التي نعيش باقي فصولها يتخللها فهم خاطئ لحد ما لحضارة الإسلام. أتتنا الموسوعة من خلال ثمانية مجلدات باللغة الإنجليزية مترجمة في أربعة و عشرين مجلداً باللغة العربية. و مما زاد روعة هذه الموسوعة ترجمتها على يد جهابذة منتقين من قبل اللجنة الثقافية للجامعة العربية بأسلوب لا يضاهيه إلا أسلوب كاتبها و لا يعيبها إلا طباعتها القديمة و الفقيرة.

تناول ويل التاريخ كمؤرخٍ عاش كل حضارة على حدا... تناول الدين كما لو أنه أحد رهبان عصرها... تناول الفن و التصوير كما لو أنه فان جوخ زمانها... تناول البناء و العمارة كأعظم مهندسيها... تجرد من ميوله و أهوائه في النقد و في المديح... فأبدع أيما إبداع في تدوين أحد أعظم ما خط في تاريخ القلم.

الموسوعة تلقي الضوء على دورات الزمن في تاريخ الأمم. و تاريخ استغلال الأديان لمكاسب ثلة من الرجال مستغلين المجهول لتناول زمام الأمور. في رائعة أسمى حصائلها قراءة و استقراء التاريخ... في قراءة تجعلنا نتفهم كيف يمكن لمن يحاول إدارة و تسيير العالم أن يسايره النجاح أكثر من الفشل.

و ختاماً أقول أين كنا منها طوال هذه السنين!!؟؟ لماذا لم ننصح أو نرغم على قراءتها في بدايات حياتنا حتى نختصر الزمن و التاريخ و لنفكر كراشدين في عمر الزهور.....؟

السبت، 26 سبتمبر 2009

القراءة... المتعة المضاعة

كثيرا ما يجترني حملي لكتاب في الآماكن العامة أو الاجتماعية إلى مناقشة حول القراءة بشكل عام و ظاهرة العزوف شبه الجماعي في مجتمعنا العربي بشكل عام و السعودي بشكل خاص. حيث يأخذنا الجدال في مسار ثابت تقريباً، بدأً من اقرار الطرف الآخر بأهمية القراءة في تطور ثقافة الشعوب ثم حال الشعوب المتقدمة و إحتلال القراءة لجزء مهم من حياتهم اليومية مما يضمن استمرار تقدمهم الفكري إلى ذكريات المراهقة في متعة قراءة روايات اجاثا كرستي و القصص القصيرة ثم المحاولات الغير ناجحة لقراءة مجموعة الكتب الذي اشتراها (من جرير في الغالب) بسبب صعوبة الالتزام بقراءة عدد كبير من الصفحات و ظاهرة النوم عند الامساك الكتاب فختاماً الإستسلام (ما شاء الله عليك.. ودي بس ما الله عطاني!!).

في رأيي تكمن المشكلة في الفهم القاصر للقراءة على أنها وسيلة للتعلم و الثقافة المجردة و عدم الاحساس بنشوة متعة القراءة مما يجعلها، خصوصاً ببداية الصداقة مع الكتاب، صعبة و عسيرة على القارىء. حيث يجب أن تعد القراءة أولاً متعة مجردة بحد ذاتها مثلها كمثل مشاهدة التلفاز أو حوار ممتع مع الآهل و الاصدقاء يوقظ جميع الجوارح و الأحاسيس. مما يجعلنا نتطلع إلى الوقت الذي نفرغ به إلى كتابنا بدلاً من عد الصفحات المتبقية في كل مرة نفتحه. فالوقت بمحوريه إما يكون ثقيلاً كمدة طيران رحلة في مهمة عمل نتطلع خلالها على الساعة كل خمس دقائق متمنين تقديمه مثل شريط الفديو أم ممتعاً لا نود إنقضاءه عندما نكون في المكان و الزمان الذي نستمتع به مختلسين النظرة الى عداد الزمن ايضا و لكن متمنين ايقاف تسارعه. فكيف لنا أن نجعل القراءة أبعد ما تكون عن المحور الأول متغلغلة في محور الزمن الممتع!!؟؟
الإجابة لدي ببساطة، هو قراءة ما نحب و نستمتع بقراءته لا ما نحتاج و لا نطيق!! فعندما تقرأ ما تحب "حقاً" لن تعد صفحات الكتاب مثلما تتطلع لساعتك في رحلة العمل. و هذا يقودنا إلى فكر و طريقة إختيار الكتاب الذي تحب.

دائماً ما تكون البداية هي الأصعب. فأولاً كيف نتعرف على ما نحب؟ تختلف الإجابة من شخص لآخر حسب الميول و الاهتمامات. فما يناسبني الآن قد لا يناسبك الآن أو حتى في الغد. و ما يمتعك قد أجده مملاً. لذا لن يجيب على السؤال بالشكل المناسب غير الشخص المعني. و لكن غالباً ما تكون القصة أو الرواية أو التاديخ مواضع اهتمام مشترك في جل فترات العمر و يتبقي اختيار الموضوع و الاسلوب الذي يمتع المتلقي.

عندما نتعدى البدايات يصبح الامر أسهل. حين تنمو مهارة القراءة و معها مهارة اختيار الكتب المناسبة. حتى نصل إلى مرحلة نستطيع بها أن نحكم على مدى متعة قراءة كتاب ما خلال ثواني من رفعه من على درج المكتبة أو عندما يأتي ذكره في الكتاب الذي نطالعه. حينها فقط، و عندما يصبح الكتاب جزء من حياتنا، نستطيع قراءة ما نحتاج بملل اقل و بمتعة اكبر فنطور ثقافتنا و فكرنا لنساهم في بناء أمه تسمو بسمو أبناءها.

السبت، 19 سبتمبر 2009

موبايلي... أنا..... و الدب


بما أنني من ثقيلي الحركة و قليلي التأثر بالإعلانات... فإنني أعد أي حملة تحملني على تحمل المشوار للبحث عن المنتج إما حملة مكلفة جداَ أو عرض يمثل صفقة ناجحة بلا شك. و قد حملتني على الرغم من ثقلي حملة موبايلي الأخيرة للبرودباند على زيارة أحد صروحهم (فروعهم) المشيدة في أغلى المناطق التجارية.
و قد كان لي من الدلاخة (الثوالة في رواية و الدباشة في أخرى) بمكان بأنني لم أبحث عن مصداقية العرض كعادتي قبل التوجه إلى أحد هذه الصروح. و صادفت ربع ساعة نهاية ساعات العمل في رمضان. فكان لي الحارس المسكين بالمرصاد و صدني عن الدخول مع رجاء عدم المقاومة لأنها تعليمات صارمة بعدم دخول أي عميل جديد حتى يمكنهم التخلص من العملاء المتبقين في الصالة. فقاومت "كعادتنا بالتغلب على المصاعب بحصان اللسان و الحجج" و تنازلت عن حقي بالاشتراك و طالبت فقط بالسؤال عن معلومات عن العرض. فتعذر المسكين بالتعليمات الصارمة و هنا رأيت إشارة ذلك العملاق (الدب) تأتي من آخر الصالة التي أوحشتني و جعلتني أتفهم ارتعاد ذلك المسكين. و رغم أنني أؤيد بقوة المقولة الغير صحيحة بأن الدببة خفيفين دم و ذلك لظروف شخصية إلا أن تلك الإشارة لم تحمل أي خفة دم في وقتها. وطفقت عائداَ إلى سيارتي أجرجر أذيال الهزيمة (حشى صارت حرب) متقبلاَ نتائجها على مضض و متوعداً في نفسي بِكرةٍ (بعودة) مفاجئة.
و لم تك الزيارة الثانية بأوفر حظ رغم بدأ المعركة قبل ربع ساعة نهاية ساعات العمل بكثير. فكانت الصالة مزدحمة لدرجة أنني تطاولت برأسي لأرى إذا ما كان هناك فرن تميس داخل هذا الصرح. و عندما أردت الاستفسار من موظف الاستعلامات... طلب مني بشيء من الحدة أخذ رقم و الانتظار. و بما أني لست بقليل شر بدأت باستخدام مهاراتي الفردية المتوارثة عبر الأجيال و هي التكشير عن الأنياب و رفع درجة الصوت حتى يصل لأصحاب الطاولات القابعة في عمق الصالة. "طالبت فقط بمعلومات و أنت موظف استعلامات"..!! و لأنه على ما يبدو موظف مبتدأ و لم يكتمل نبوت ريشه تنازل على مضض و بروح انهزامية تشبه روح الألمان عند توقيع معاهدة فرساي في نهاية الحرب العالمية الأولى أو روح اليابانيين في نهاية الثانية و تكرم بإعطائي المنشور الخاص بالعرض. فكانت الفاجعة المتوقعة بأن التكلفة ضعف ما يعلن عنه..!!!؟؟ لم تكن مشكلة بالنسبة لي فدخلت المحل المجاور لصرح موبايلي و اشتركت في "جو" بضعف السرعة و 30% سعر أقل "لي معهم معركة سابقة من خلال الاشتراك الأول".
أنا مؤمن بأن السوق عرض و طلب و لست بمغصوبٍ على الشراء من أحد كما كان في عهد أقطاعية الجدة الاتصالات السعودية. و لكن لي هنا وقفات مع موبايلي سأقوم بسردها بإيجاز.
أولاَ: سلسة الإمدادات.. يبدو لي أن إدارة التسويق جد مجتهدة و متكلفة. هذا واضح من احترافية الإعلانات و كثافتها. الصروح أم الفروع مكلفة بشكل فاحش و في أماكن منتقاة من قبل مصمم فساتين سهرة لبناني على ما يبدو و ذات ديكور يذكرني بقصور إمبراطوريات أوروبا أو فاشية العالم العربي. و في النهاية أربع إلى خمس طاولات يجلس عليها ثلاث إلى أربع دببة طيبون يتخذون من طريقة تعامل أجدادنا في رئاسة تعليم البنات قدوة لهم. ما هذه السلسة المختلة من الإمدادات وتدفقها!!؟؟ كيف تكون عنق الزجاجة الحلقة الأقل تكلفة!!؟؟ ما فائدة الاستثمار في حلقات التسويق و البنية التحتية بينما لا تستطيع الحلقة الأخيرة "المبيعات" مجاراة التدفق!!؟؟ توقعي من دون حقائق ثابتة لدي أن الإدارات المشكلة لهذه الحلقات تدار بشكل مستقل و بنظرة مؤطرة يغيب عنها الفكر الشامل لكامل السلسلة من البنية التحتية حتى رضاء الزبون.
ثانياَ:التكلفة و التسعير.. لماذا تقع موبايلي بنفس الخطأ الذي تقع به الجدة السعودية!!؟؟ لماذا هذه الـ Hidden cost أو التكاليف المخفية!!؟؟ ألا يمكن لهم أن يضعوا التكاليف الإضافية مثل قيمة المودم أو التأسيس و بالبنط العريض حتى لا يفاجأ العميل "كما يسموننا" بالتكلفة الإجمالية التي تعدى المنافسين فتكون ردة فعل سلبية كما حصل معي و مع غيري..!!؟؟ هل نحن أغبياء لهذا الحد!!؟؟؟ أم يظنون أن هذا العميل لا يمكنه أداء قسمة مبسطة تعلمها في ثالث ابتدائي لحساب التكلفة الشهرية!!؟؟ هناك حملات دعائية تدرس في علم التسويق كلفت عشرات أو مئات الملايين و أتت بنتائج عكسية يحضرني منها حملة أرنب بطاريات انرجيزر كرد على ديورسل و ذلك الإعلان الذين كان أحد أجمل الإعلانات المضحكة. رغم ذلك فلقد أدت هذه الحملة إلى زيادة مبيعات ديورسل على حساب انرجيزر بسب بسيط لان انرجيزر استخدمت أرنب في حملتها يشابه أرنب ديورسل مما رسخ أرنب ديورسل عند العملاء (كما يسموننا).
http://www.youtube.com/watch?v=qiFQsxGUQOI&feature=related
لذا وجب دائما على أي مسوق أن يضع بالحسبان النتائج المحتملة و ردود أفعالها. و أهمها أن لا يستخف بالعميل لأن لها نتائج وخيمة قد تطول مداها لسنوات أو عقود.
لقد كنت ممن بدأ بالتفكير في تغيير جميع خدمات الاتصال من الجدة إلى موبايلي. و لكن بعد إعلان البرودباند و المعركة و الدب.... آسف "موبايلك" عليك أن تبدأي معي جديد.....

و تقبلوا تحياتي,,,

الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

التدوين ... خيار متأخر!!

كانت بداية معرفتي للتدوين متأخرة بعض الشيء و ذلك من خلال أحد الأصدقاء. منذ ذلك اليوم وفكرة التدوين تمر على بالي مرور الكرام أحيانا و كضيف ثقيل أحيانا أخرى.

أفكار تجذبني له و عوائق فكرية تصدني عنه. فهو يغرني بأحلام تدوين مشاعري و همومي و أحلامي و آرائي و مدي و جزري أو حياديتي أو على الأقل وجهة نظر قاصرة للكتب التي قرأتها.
بينما كان يصدني في الظاهر أعذار توفر الوقت و الظروف العملية و في الباطن رهبة ترجمة أفكاري إلى كلمات قد تفاجئني قبل أي أحد آخر. فكتاباتي السابقة لم تتعدى المجالات الاقتصادية أو الفنية الهندسية المرتبطة مباشرة بعملي. و لم تكن مشاعري يوماَ جزءاَ من كلماتي المدونة في حروف..

لقد تعودنا في مجتمعنا المحافظ أو المنافق أو المتجمل أن نعيش بشخصيتين.... فعندما نتحدث فكرياَ نكون ذلك الشخص المثالي الكامل الرصين المحافظ العاقل المتزن و فوق كل ذلك المتذمر من كل شيء حوله و كأنه ليس جزءاَ مكوناَ لهذا المنقود!! فدائماَ ما نرى نصف الكوب الفارغ و نشبعه نقداَ!!!
و عندماَ نتصرف كثيراَ ما نكون أي شيء عدا ما أفصحنا عنه!!! لماذا؟؟؟ سؤال يبحث عن إجابة متحركة ديناميكية تتغير مع الزمن. فكيف يفصل الفكر عن العمل بهذا الشكل و بهذا الكم؟؟؟ سؤال إجابته متضمنة في إجابة السؤال الأول.
إذا كانت المشكلة التناقض بين القول و العمل فكيف بهما ارتباطاَ بالفكر..
فالإنسان يفكر ثم ينطق أو يعمل. و له الخيار في مزامنة هذه السلسة أو جعلها شخصيات منفصلة..
هذا التناقض هو جوهر رهبتي من التدوين كما هو كامل غايتي...

و بين مد ذلك و جزر تلك... ها أنا أوقع معاهدة سلام بشروط و تنازلات...
فقد تعاهدت مع نفسي على كتابة مشاعري و فكري بصدق بغض النظر عن النظر في ردود الأفعال أو مداهنة المسلمات الفكرية السائدة و بحيادية إلى أقصى ما أستطيع عندما تقتضي...
تعاهدت نفسي بأن أكتب ما أفكر به و لا أخجل أن أقول و أعمل به متى يقتضي..
تعاهدت نفسي بأن أكتب لي أولاَ لأنني من يحتاجها و ليس غيري...
و تنازلت عن الخوف من معرفة مدى سطحية فكري أو ضحالة تفكيري عندما أعيد قراءتها مع الزمن... لأنني لن أنتقل إلى الأعلى ما لم ألم بالأسفل...

و تقبلوا تحياتي,,,