الجمعة، 27 يوليو 2012

دوغماتية العقلاء..

ما الذي يمسخ فكر شخص بلغ درجة عالية من العلم والإدراك لأن يكون أسير خرافات وأساطير!؟


سؤال فعلا يحيرني. فكلما وجدت له إجابة، نسختها إجابات.. نرى رجال قد بلغوا من العلم مقدارا ومن الإدراك أسرارا.. أطباء مهندسين علماء ذرة أدباء.. وبرغم ذلك تجد بعضهم يؤمنون ويسلمون لبراهما أو قسيس أو حتى ملا أو متشيخ لا يملكون من العلم أكثر من حكايات لا يدعمها العقل أو المنطق!! فرغم أنهم سموا بالفكر إلا أنهم يتنكرون له نزولا عند المعتقد!!


كيف لعالم ذرة هندي أن يؤمن بالصلاة لجوامد بأن ترفعه!؟
ولمن حاز جائزة نوبل في الكيمياء أو الفيزياء، أن يؤمن بأن الإله قد تجسد في إنسان لينقذ خطايا البشر!؟
ولمن يطور النانو، أن يعتقد أنه قد ولد من نسل الآلهة وغيره بشر أقل منه منزلة!؟
ولجراح قلب متمرس، أن يسمح لجاهل أن يقوده لمجرد أن جيناته المدعاة عن نسل الرسول!؟
ولبروفيسور يدرس الهندسة أن يعتقد برضاعة الكبير!؟
وكيف لإمرأة بلغت الحكمة أن تؤمن أنها ناقصة عقل ويجب أن تكون تبعاً للرجل حتى لو كان رضيعاً أو وضيعاً!؟ أو أنها ولدت لتخدم الرجل لا أن تعيش معه سواء!؟


نعود لنحلل غرس الطفولة لنجده أساس متين. ولكن هل هو كافي لمن فكر وتمرس خارج الصندوق لأن يكون بهذه الدوغماتية!؟ كيف إختاروا واعتادوا لاختبار كل ما يمر على عقولهم عدا فكر ولدوا عليه!! 
أم هو خيار من ليس له خيار!؟ ولماذا عدم صنع خيارهم الخاص!؟ فقد إعتادوه في علمهم وعملهم!!
أم أن معتقدهم هو الأصح!؟ لا يمكن ذلك.. لأن الأصح لا يحتمل جميع الموجودات..
أم أن السباحة مهلكة عندما تكون عكس التيار!؟


حقيقةً، أعياني السؤال وحيرتني الإجابات..!!

السبت، 21 يوليو 2012

الأشقياء المشقون..


الفكر هو برنامج الإنسان الذي يعيش بواسطته حياته. فكل مبادرة أو ردة فعل لنا تخضع للفكر الذي نعتنقه. الحرية الشخصية تكفل للإنسان الحر تغيير فكره حسب تطور حالته العقلية والمحدثات على الساحة الفكرية. في المجتمعات التي لا تقبل كثير من الإختلاف، يمكن للشخص أن يتعايش من خلال البعد عن النقاش وإخضاع أفعاله لبرنامج فكري هجين يكفل القبول في مجتمعه دون المساس بجوهر معتقده المغاير.

لا بأس بهذه الحلول إذا لم يمتهن الفكر. فكيف بمن وجد نفسه يعمل في الفكر المعتنق ثم أجبره عقله على تساؤلات نسفت إيمانه أو أجزاء كبيرة منه. أتحدث هنا عن تخصص دراسة أو عمل أو كلاهما علي ضوء فكر أو مذهب معين. لنتخيل قسيس أفنى زهرة سنوات عمره في دراسة اللاهوت ويعمل في كنيسة يقتات على أجرها هو وعائلته. ولنا قياس ذلك على ملا تخرج من قم ويقود حسينية أو مؤذن أو إمام مسجد في الخبوب تخرج من جامعة الإمام أو حتى أستاذ محاضر فيها.

لنتخيل مجازا، من درس لعشرين سنة حتى أصبح مستشارا في الصيرفة الإسلامية على أحد المذاهب الشائعة. ولكن متناقضات حيثيات كثيرة تراكمت حتى أجبرت فكره على التجدد. فأصبح لا يؤمن في الصيرفة على المذهب الذي وظف ليفتي به. شهادته وخبراته لا تساوي جناح بعوضة خارج هذا الفكر. جميع الطرق مسدودة في تغيير عمله ولا يسعفه العمر والإلتزامات الأسرية على إعادة التأهيل.

لنا أن نتصور قلة خيارات إنسان في هذا الوضع المؤسف. فأول خياراته أن يعيش التناقض بكل فلوله. في حياته في عمله في علاقاته مع أسرته ومع أصحابه وفي تربية أبناءه. تناقض يقض مضجع السوي ويغذي أصول الإنحراف. ليكون عرضة لأمراض نفسية تطغو على شخصيته وتؤثر على أبناءه وكل من يعتقد به. والأكبر طفوها على السطح والإساءة للفكر المعتنق والتشكيك به من قبل متبعيه قبل مناقضيه. وثاني خياراته هو إعلان الإنفصال فكرياً والتخلي عن جميع الإستثمارات الشخصية الفكرية والمؤهلات العملية دون وجود بديل يعوضها. وهنا يكون الفشل الشخصي والمجتمعي أكبر من أن يحتمله إنسان دون توابع وخيمة.

في كلا الخياران سيعيش مثل هذا الشقاء. سيكون علة على أهله ومجتمعه. سيخرج أبناءً بفكر معوق متناقض وزوجة حائرة وأم حزينة وأب خائب الظن. مثل هذه المعضلة تمتد لأجيال بعد هذا الشقي ولا تتوقف عند عمره. أجيال إما تحترف الإنحراف الفكري والتعدد الشخصي أو قبول الفشل كحل مشروع دائم التواجد بلا أنفه.

أظن أن من الحكمة محاولة عدم وضع من نعول في وضع مماثل. فحتى لو كان إيماننا بفكر أو بمذهب يقينياً، قد يختلف أبناءنا عن هذا اليقين فيغدون فريسة صراع نفسي رهيب قد يؤدي إلى الفشل أو المرض العقلي. عندها سيقولون ما قال المعري: "هذا جناه أبي علي" ولكنهم سيجنون على أحد..