الجمعة، 4 أكتوبر 2013

الهيئة وكونفوشيوس..!!

من جديد، الهيئة تطغو على ساحة الأحداث متفوقة على جميع أصداء الصراعات المستمرة بين التيارين الرئيسيين في الساحة السعودية. هذه المرة، سقطت الهيئة في خطأ كبير بصرعها، كما يدعى عليها، شابين بعد مطاردة هوليودية أمام أعين آلاف الشهود. ومما زاد القضية تعقيدا، أن الفقيدان ينتميان لأحد أكبر القبائل بالمملكة وبالتالي وضعت المسئولين في حرج بخيارات محدودة كل منها أكثر مرارة من الأخر.

وكما هي المعركة الفكرية المستمرة بين التيارين الأخلاقي التقاليدي والتيار الأخلاقي الإنساني الحديث، تستخدم الهيئة كأداة للتقاليديين في فرض رؤيتهم الخاصة للأخلاق بينما يستغل التيار المعادي هفواتها في تضخيم أخطاءها لشن هجمات مضادة من أجل مكتسبات فكرية تثبت رجعية الفكر المضاد.

لكن الهيئة، حسب رؤية بعض الأطراف الأخرى في هذا الميزان، كانت دائما أداة سلبية في محصلتها بهذا الصراع. فكما يدعون، القائمون عليها رجال في الغالب محدودي الفكر مكشوفي النوايا بتحيز ظاهر لعين الغافل قبل المتمعن. ومما زاد أعمالهم سلبية، محاولاتهم البائسة لتقويض سلطة السلطة الشرعية في صراعها مع التطرف الفكري من خلال حملة الإعتقالات وحملة "فكوا العاني" المضادة. فكان نهج الهيئة مؤخرا، مقنن في محاولة التشدد في فرض الفكر التقليدي على العامة لتأجيج رفض الشعب للسلطة بالمجمل.

تاريخيا، كان لغالب الأمم، شرط أخلاقية تقوم بفرض معايير أخلاقية وتقاليدية على عامة الشعب. حيث كان بالصين قبل الميلاد رجال يجوبون الأسواق لإلزام المتسوقين بتعاليم وتقاليد كونفوشيوس. وفي حقبة اليهود المعاصرين للمسيح، كان المعمدانيين يقومون بنفس الدور. فالإلزام الأخلاقي، حسب نظرة التيار السائد، ليس جديد على التاريخ البشري ولم نكن نحن أول من اتخذه. ولكننا الدولة المعاصرة الوحيدة التي تقوم به من خلال جهاز خاص مستقل عن السلطة الأمنية. ففي الدول الغربية، تدخل التجاوزات الأخلاقية من ضمن المخالفات التي توجب المعاقبة ولكن يقوم بضبطها الجهاز الأمني العادي. أما في مصر وبعض الدول الشرقية، فهناك جهاز خاص مثل شرطة الآداب يتبع للشرطة بعمل هذه الأدوار.

لنكون منصفين، هناك تقصير في عمل الشرطة في حفظ الأمن. ومن الرمي الجزاف، تجاهل منفعة وجود مثل جهاز الهيئة في المساعدة في قضايا الإبتزاز والتحرش الجنسي. ولكن يجب أن لا نضخم هذه المسئوليات ونسميها إنجازات فقط لقصور جهاز الشرطة في ضبط هذه الجرائم. فلو كانت فعالية الشرطة كما هي في الدول الأخرى، لما كان هذه الحاجة الوهمية لجهاز مثل الهيئة الموقرة.

وحتى لا نعيد إختراع العجلة، أليس من الأجدى لنا المطالبة بتطوير جهاز الشرطة لسد تقصيرها بالجرائم الأخلاقية حسب معيار محدد من قبل الدولة والقانون لا حسب معايير تيار فكري يقوده رجال يخدمون فكرهم بالدرجة الأولى ويكون الضحايا بضع أرواح عامة..!؟