يقول صاحب قصة الحضارة "ويل ديورانت" أنه في المجتمعات البدائية الأولى، لم يكن هناك فرق جسدي بين المرأة والرجل.فقد كان الجنسين يقومان بنفس الأعمال التي تتطلب قوى عضلية من دون تمايز. إلى أن تمكن أحد الجنسين "الرجل" من السيطرة على الجنس الآخر "الذي سمي المرأة" على مدد طويلة من الزمان والعصور ليغدوا هذا الجنس أقل تهيئة عضلية عن الجنس المسيطر بسبب اقتصار الأعمال المتطلبة للرجل فأصبح الجنس الآخر ناعماً كما يدلع الآن.
كما يرى أن الجنس كان مشاعاً كحرية شخصية لكلا الجنسين. ولكن الجنس المسيطر نجح باستمرار في الحد من هذه الحرية وقصرها لنفسه باختراع الزواج الذي يحرم الآخر من هذه الحرية ليوقفها على نفسه من خلال إتخاذ العشيقات ومن ثم التعدد عند تطور الدورة المدنية ليكون هذا الحق مقننا ومقدساً. فكان اللباس للمرأة أولا ومن ثم للرجل ليتطور حتى حجبت النساء في اغلب المجتمعات كل حسب تسارع تطور تفكيره. وعند استمرار نضوج الدورة الفكرية انقلب السحر على الساحر وطال الحظر الجنس السيطر مع ضعف سيطرته لإعادة توازن فرق السيطرة الذي هو في الأصل خلل ولو طال العهد به.
ولما كانت الشرائع والأديان تحاول إصلاح الإنسان على قدر ما يمكنها إستيعابه، لم تستبعد نسبية المنطق في سننها فأخذت على عاتقها تحرير ما يمكن تحريه من حرية الجنس الناعم. وكمثال، جاءت المسيحية لتحد من حرية الرجل الجنسية بمنع التعدد وجاء الإسلام ليحد من طغيان الإستعباد الجنسي بفرض حقوق المرأة المالية في الميراث ومن الجنس خارج إطار الزوجية.
لكن الجنس المسيطر دأب على إسترجاع بعض حقوقه المسلوبة بقوة الدين والفكر ليحاول عكس التيار السلبي لسيطرته بفرض قيود وتشريعات تعيد بعض السيطرة من خلال إستراتيجيات مثل الحدود الإجتماعية وكلُ حسب إستطاعته التي فرضتها الدورة المدنية عليه.
ويختتم "ويل" فكره بأن دورة المدنية لا بد وأن تعيد التوازن المفقود من خلال الحرية المطلقة لتستعيد المرأة حقوقها المسلوبة بالمساواة مع الرجل في جميع أوجه الحياة.
قد لا يبدوا هذا التحليل منطقياًُ ومخالفاً لفطرتنا لأننا ومنذ مولدنا أخذنا هذه المعادلة على أنها من المسلمات ومن الصعب تخيل إعادة التوازن لأنها لا تتوازن مع نسبية منطقنا. النسبية التي كانت ولازالت الأداة الطاغية على فهمنا لمجمل الحياة.. فلولا النسبية لما كان هناك زمن.. ولولاها لما كان مكان ومنطق وأبعاد ومشاعر ونظرة وفكر.
لنصل لمثل هذا الفكر يتعين علينا التجرد من النسبية إلى أبعد مما يستطيع فكرنا النسبي المحدود تصدقيه. ليحكم أكثرنا على هذه النظرية بالهراء لأنها لا تتوافق مع مسلماتنا الموروثة.