السبت، 28 أغسطس 2010

الاستعباد التاريخي




يقول صاحب قصة الحضارة "ويل ديورانت" أنه في المجتمعات البدائية الأولى، لم يكن هناك فرق جسدي بين المرأة والرجل.فقد كان الجنسين يقومان بنفس الأعمال التي تتطلب قوى عضلية من دون تمايز. إلى أن تمكن أحد الجنسين "الرجل" من السيطرة على الجنس الآخر "الذي سمي المرأة" على مدد طويلة من الزمان والعصور ليغدوا هذا الجنس أقل تهيئة عضلية عن الجنس المسيطر بسبب اقتصار الأعمال المتطلبة للرجل فأصبح الجنس الآخر ناعماً كما يدلع الآن.


كما يرى أن الجنس كان مشاعاً كحرية شخصية لكلا الجنسين. ولكن الجنس المسيطر نجح باستمرار في الحد من هذه الحرية وقصرها لنفسه باختراع الزواج الذي يحرم الآخر من هذه الحرية ليوقفها على نفسه من خلال إتخاذ العشيقات ومن ثم التعدد عند تطور الدورة المدنية ليكون هذا الحق مقننا ومقدساً. فكان اللباس للمرأة أولا ومن ثم للرجل ليتطور حتى حجبت النساء في اغلب المجتمعات كل حسب تسارع تطور تفكيره. وعند استمرار نضوج الدورة الفكرية انقلب السحر على الساحر وطال الحظر الجنس السيطر مع ضعف سيطرته لإعادة توازن فرق السيطرة الذي هو في الأصل خلل ولو طال العهد به.

ولما كانت الشرائع والأديان تحاول إصلاح الإنسان على قدر ما يمكنها إستيعابه، لم تستبعد نسبية المنطق في سننها فأخذت على عاتقها تحرير ما يمكن تحريه من حرية الجنس الناعم. وكمثال، جاءت المسيحية لتحد من حرية الرجل الجنسية بمنع التعدد وجاء الإسلام ليحد من طغيان الإستعباد الجنسي بفرض حقوق المرأة المالية في الميراث ومن الجنس خارج إطار الزوجية.

لكن الجنس المسيطر دأب على إسترجاع بعض حقوقه المسلوبة بقوة الدين والفكر ليحاول عكس التيار السلبي لسيطرته بفرض قيود وتشريعات تعيد بعض السيطرة من خلال إستراتيجيات مثل الحدود الإجتماعية وكلُ حسب إستطاعته التي فرضتها الدورة المدنية عليه.

ويختتم "ويل" فكره بأن دورة المدنية لا بد وأن تعيد التوازن المفقود من خلال الحرية المطلقة لتستعيد المرأة حقوقها المسلوبة بالمساواة مع الرجل في جميع أوجه الحياة.

قد لا يبدوا هذا التحليل منطقياًُ ومخالفاً لفطرتنا لأننا ومنذ مولدنا أخذنا هذه المعادلة على أنها من المسلمات ومن الصعب تخيل إعادة التوازن لأنها لا تتوازن مع نسبية منطقنا. النسبية التي كانت ولازالت الأداة الطاغية على فهمنا لمجمل الحياة.. فلولا النسبية لما كان هناك زمن.. ولولاها لما كان مكان ومنطق وأبعاد ومشاعر ونظرة وفكر.

لنصل لمثل هذا الفكر يتعين علينا التجرد من النسبية إلى أبعد مما يستطيع فكرنا النسبي المحدود تصدقيه. ليحكم أكثرنا على هذه النظرية بالهراء لأنها لا تتوافق مع مسلماتنا الموروثة.

الاثنين، 2 أغسطس 2010

عندما يبوح الصمت بما أوجده...

يكون الصمت ردا عندما لا تجد الرد الأمثل...
يكون الصمت الخيار عندما لا تجد غيره حلاً...
يكاد الصمت ينطق حينما لا يفيد الكلام...
فكلما حاورنا الكثرة ظهر الصمت في أخر دورة فكرية قبل الجملة المعبرة...

فهل الأنسب شرح طبيعة البشر من نزوات وشهوات وإمكانيات عقلية ومدخلات تعليمية وإجتماعية وأحداث ماضية متراكمة لمن يؤمن بنظرية المؤامرة كدستور للحياة..؟ أم الصمت حكمة؟؟

وهل توضيح أن الإنسان هو كل ما أوجدته الظروف المحيطة وقواه العقلية لكل من ينقد الآخر المختلف معه؟؟ أم في الحكمة الصمت..؟؟

أم إسهاب الشرح لدورة الحياة المدنية مناسب لمن يهاجم تقدم أمته البطيئ مقابل الأمم المتقدمة أمامها..؟؟ أم جواب الصمت يكون هو الحل أولا وأخيراً..؟؟

وهل سرد تاريخ إستغلال الأديان في الأمم الماضية والمعاصرة سيوف يفضي إلى فهم كنفوشوسينا بأن الدين كان يستخدم ولازال كمطية لخدمة شهوات خفية حتى على صاحبها..؟؟ أم الصمت حكمة؟؟ أم في الحكمة الصمت..؟؟

ولو رددنا على الكثرة التي تؤمن بتسبب قصور المؤسساتية في كل تخلفنا بأننا من نكون هذه المؤسسة.. هل يجزي جواباً.؟؟ أم تكون حالة عدم النطق تجزي عن عدم الصمت..؟؟

وهل إيضاح مراحل تكون فكر أصنامنا يغير رأي الكثرة فيهم..؟؟ أم الصمت بحكمة الصمت أكثر بلاغة..؟؟

لازال يطغي على مجتمعنا فكرة الكثرة البدائي.. فأصبحنا مجتمع بهوية سطحية فكرها هو نتاج ردود أفعال عاطفية..!!

أليس كذلك؟؟ أم الصمت إجابة كافية في حالتنا...؟؟؟

السبت، 31 يوليو 2010

صمت الحكمة... أم حكمة الصمت..!؟؟

المتأمل لتاريخ الحكماء, يجد دوماً الصمت أسمى أدواتهم.. فعندما يغوص الحكيم في ترددات وتوابع ردوده المحتملة يستنتج غالباً أن الصمت أغلى أرقى ما يمكنه إستخدامه..

عندما يستعرض الحكيم خيارات ردوده، يصطدم بعمق الفجوة بين مستوى تفكيره وتفكير الشخص المقابل... فيفضل الصمت على المساجلة غير المجدية في نظره.. يحاول التقريب، فيتيه بين سطحية الرد الأنسب وإحتمالية عدم فهم الآخر للرد المراد.. فيفضل الصمت من جديد.. فهل الصمت حكمة،، أم الحكمة في الصمت!!؟؟

سؤال حير الفلاسفة فإختار الأغلب الصمت وعندما نطق القلة لم يفهم الكثير المراد.. فهكذا "تكلم زادشت" نتيشه وهكذا عرض "لا منتمي" كولن ولسون... فلا فهم أغلب المتلقين ولا رضي الحكيم بما أنتجت بنات فكره...

قلة قليلة إستطاعوا حل المعضلة فأصبحوا أنبياء... أو كادوا.. أوصلوا الحكمة بأبسط صورها... سطحية ولكن بمعنى عميق خفي.. مفاتيحه عند غيرهم من الحكماء.. أو يكادون... تعاليم وحكم يفهم الكثرة معناها السطحي ليصلوا بتطبيقها إلى نفس نتائج ما قد يفهمه الحكماء منها..

وهل الحكماء الذين لم يصلوا للكثرة كانوا عاجزين أم كسولين أم متكبرين!!؟؟ وهل إصطناع الصمت يولد الحكمة أم هو حكمة بحد ذاته!!؟؟

أسئلة تجول بخاطري لم اجد لها إجابة....
فآثرت الصمت ما أمكنني..

السبت، 26 يونيو 2010

إكتتاب.... ساهر

في إطار سعي الحكومة الدائم في توزيع المداخيل الرئيسية للدولة على الشعب بصفة عادلة, وكما هو الحال في الفرض على الشركات الحاصلة على تخصيص للغاز الطبيعي أو المنتجات النفطية المخفضة طرح أسهم الشركة للإكتتاب. تسعى إدارة المرور حالياً لتسريع تحويل نظام ساهر إلى شركة مساهمة وطرحها للإكتتاب العام.

فقد صرح مصدر مسئول في إدارة المرور, بأن مداخيل نظام ساهر تفوق مبيعات أغلب الشركات المساهمة المتداولة في سوق الأسهم السعودية. وبما أن مبالغ المخالفات تأتي أصلاً من حوالي 20% من قائدي المركبات غير الملتزمين بالأنظمة المرورية وعلى حساب 80% من القائدين الملتزمين بالنظام, فمن العدل توزيع هذه الدخول على الجميع بفرص متساوية من خلال إكتتاب عام لجميع الشعب السعودي حيث أنهم هم المخالفون والمتضررون في الأصل. وهو ما سيزيد من تعاون الجميع في تقبل النظام والمساعدة في تطبيقه. واضاف أن الدولة تثبت بذلك أنها لم تضع هذه المخالفات الرادعة إلا لفرض الأنظمة المرورية من أجل قيادة آمنة وليس كما يشاع أنها مصدر دخل آخر للدولة. واشار أن جميع الظروف مواتية لإكمال الطرح خلال الربع الرابع من هذا العام حسب المخطط.

وقد علق المتحدث الرسمي لهيئة سوق المال, أن طرح ساهر سيأخذ الأولوية عند إستكمال مستلزمات الطرح حيث أنه يمس أكبر شريحة من الشعب السعودي. لذا سوف يستثنى من طوابير الشركات الراغبة للطرح الأولي.

وعند سؤالنا لأحد أعضاء جمعية الإقتصاد السعودية عن الكيفية العادلة لحساب قيمة الأسهم, أجاب أنه في الحالات المماثلة, يجب أن تقوم ثلاث شركات مختلفة بتقييم أصول النظام بسعر السوق الحالي وليس حسب فواتير الشراء ومن ثم تقسيمها على القيمة الإسمية لشركات الطرح الأولي (10 ريال) وطرح 100% للإكتتاب وذلك لتحويل النظام لمؤسسة مدنية قابلة للربح والخسارة والنقد وتطوير الأداء. كم توقع أن تقوم الشركة بتوزيع أرباح كبيرة خلال الأعوام الأولى تتنازل بشكل حاد مع إلتزام الجميع بالأنظمة وهنا يكون الجميع قد ربح من الإستثمار كما ربح فرص أكبر للنجاة خلال قيادتنا اليومية.

ويجدر الإشارة أن المملكة تعاني أزمة حقيقة في تطبيق وإحترام أنظمة المرور, حيث تعتبر الحوادث المرورية هي القاتل الأول للشعب السعودي كما تحذر كثير من السفارات الأجنبية رعاياها من أن مصدر الخطر الأكبر عند زيارة المملكة هي قيادة المركبات باعتبارها مخاطرة غير محمودة النتائج.

هنا فقط إستفقت من هذا الحلم المزعج تلبيةً لنداء الطبيعة وبسبب الإكثار من شرب الشاي الأخضر قبل النوم...

السبت، 5 يونيو 2010

الواقعية كأسلوب نعيشه ونستفتيه..

الواقعية في نظري, هي الحكم على موقف معين من خلال أعمق تجرد من خلفيتنا الثقافية والإجتماعية ومن ثم عواطفنا مما يوصلنا لحكم أقرب ما يكون إلى الحقيقة الصرفة القابلة للتطبيق. ومن خلال إحتكاكي بالشعوب الأخرى, وجدت أنها من أهم ما ينقصنا عند إستعراضنا لمشاكلنا الإجتماعية والفكرية وبالتالي الحكم الناجع لحلولها.

فغالباً ما تطغي عواطفنا على عقولنا, فنصاب بالإحباط لبعدنا عن حقيقة الواقع وبالتالي نصل إلى أحكام غير منطقية أو غير قابلة للتطبيق أو بمطابقة لا تحل المشكلة الأساسية.

وعند إستعراضنا للمشاكل الأخيرة التي حصلت بالمملكة, نجد تيار العواطف هي المسيطر على أحكامنا مما جرفنا إلى استنتاجات غير منطقية والذي أشعرنا أو زاد من شعورنا بالإحباط في كل مرة يتطلب منا الحكم وإيجاد حلول هذه المعضلة.

ولنأخذ مأساة جدة الأخيرة كمثال, فقد تمحورت إستنتاجاتنا حول الفساد الشخصي لأعيان المسئولين, وإن كنت لا أنفيه, غاضين الطرف عن المصدر الرئيسي في الخطأ وهو عدم نضوج الأنظمة خلال فترة نشوءها لقصر العمر الزمني النسبي والذي سمح بفساد بعض الأشخاص الذين كانوا في موقع المسئولية. فكانت أحكامنا قاصرة لعدم واقعتيها أو واقعية حلولنا المقترحة بضحالة لا تتعدى محاكمة شخوص أتوا ورحلوا لن تحل معاقبتهم أساس المشكلة.

يتجلى لنا ذلك عندما تلت مأساة جدة مصيبة الرياض. فلم نستطيع تطبيق نفس معايير الحكم السابق لعدم أهليته في حل المشكلة السابقة. فضاعت حكمتنا في إيجاد حلول مشابهة بل وإنقلب أكثرنا على بعضهم في المجادلة على عدم كيل الإتهامات على شخوص رياضية معينة كما كان التشخيص في جدة.

ولو نظرنا بواقعية, فالمملكة دولة مترامية الأطراف نشأت من أقل من خمسين عاماً بشعب خيم عليه الجهل والعامية لقرون طويلة مع تدفق ثروة تشغل العاقل قبل السفيه. ولكي نصل لما وصل له متقدمي العالم الحالي, لا بد من تراكم حضاري على مدى زمني يفوق بكثير ما اتسع لنا حتى الآن. ولا بد لنا من المرور على مراحل النضوج من دون تخطي فهي كالعمر لسنا ببالغيه حتى تنقضي مدته.

بواقعية, مأساة جدة ومصيبة الرياض, نتائج حتمية لتدرج المدنية مرت بأمثالها جميع الحضارات السابقة قبل أن تصل إلى وصلت إليه الآن ولكنها في رأيي نقطة قد تكون مفصلية في الإنتقال إلى مرحلة أكثر نضوجاً من خلال سعينا المتواصل في اللحاق بمسيرة المدنية المتسارعة.

الجمعة، 19 فبراير 2010

فنتازيا بيروت.. من على رصيف السوليدير


بيروت ... هذه المدينة الأجمل بين المدن العربية.. ساحرة جيل السبعينات العربي وملهمة المثقفين منه.. عانت الكثير من الويلات بسبب انفتاحها في عالم الإنغلاق فكانت متنفس مكبوتي العالم العربي عموماًِ ومواطني الخليج خصوصاً.

الكثير من الصفات يميز لبنان عن باقي الدول العربية.. أرض حضارات ممتدة ومتتالية، ثقافة شعبها المختلطة، جمال طبيعتها الساحرة، خصوصية شمولها للأعراق والأديان والمذاهب المختلفة، قربها من العدو المشترك، تقدمها الثقافي خلال الجيلين الماضيين والأهم هو اجتماع كل ذلك في كينونة أفرزت التميز بنقاء كنقاء طبيعتها..

المتأمل في بيروت يرى بوضوح تميزها. فتعامل غالبية أهلها الحضاري النسبي يدهش المتجرد حتي يصعب عليه إلصاق صفة العروبة بها. كما أن مغتربيها وزياراتهم السياحية الخاطفة يعكس بعض من جوانب إفرازات تاريخها المعاصر.

زيارتي العائلية السريعة لبيروت أثارت عواصف فكري لحد الإجهاد، فلم أستطع لملمت جميع هذه المتناقضات في شخصية متفردة يمكنني أن أطلقها على بيروت وناسها.. زرت حاضرتها ومعالمها وجبالها وسهولها وتحاورت مع مختلف طبقاتها فكانت الإيجابية طاغية في أغلب الإستنتاجات لم يشوبها إلا باعة السوليدير ورواده..

فالسوليدير ساحة دائرية تحفها المطاعم والمقاهي والقليل من المحلات وفي منتصفها نصب في أعلاه ساعة رولكس يطوف بها السياح العرب وخصوصاً أباعر الخليج متوشحين أغرب الهندام مستعرضين في الجمع بين أغلى الماركات العالمية، من فئة نار الله الموقدة.

ولهؤلاء الرواد طقوس لا يحيدون عنها كل ليلة منذ نزولهم حرم السوليدير حتى انقضاء عمرتهم. حيث يتم النزول من السيارات الفارهة عند المدخل الرئيسي مع مراعاة عدم الإلتفات أو النظر لمن ينتظرون سياراتهم ثم السعي من خلال الممر الرئيسي الذي يحوي مطاعم النصب المحترمة ومن ثم إلقاء نظرة من خلال الإلتفاتة بكامل الجذع (وليس بالرقبة فقط) وكأنهم متعطرين بالنشاء الخاص بالملابس.. وبعد ذلك نزول الساحة لأداء طواف القدوم بعدد يزيد حسب الأجر المرجو لجس نبض المتواجدين والإعلان عن القدوم.. ومن ثم الإتجاه إلى نفس الطاولة الذي يجلسون عليها كل ليلة مباركة. ويراعى خلال الجلوس عدم الكلام إلا بما قل ودل ثم إكمال الخشوع على الأجهزة الجوالة من خلال التحديث المستمر للبحث عن أجهزة بلوتوث جديدة في المدى. وبالأخير طواف الوداع في الساحة معلنين إنتهاء حضورهم الشريف ليقفلوا البلوتوث ويتجهون إلى المدخل الرئيسي منتظرين سيارتهم الخاصة رامقين الآتين الجدد كما رمقوا من قبل..

أما زوار السوليدير أمثالنا، فلا نصيب لهم من المقاهي إلا الطاولات الداخلية المقابلة للحيطان أو رصيف ساحة السوليدير المباركة لأن الحصول على طاولة مطلة على الحرم يتطلب صبراً وجلداً وجهاداً لا نعرفه ولا نطيقه لو عرفناه.. لذا كان الرصيف الخيار الأنسب والأقل تكلفة وبحقيقةٍ الأمتع لمشاهدة "المزاين" ومن ثم حمد الله على نعمة العقل التي من بها علينا...

هناك سؤال وحيد لازال يحيرني... كيف يمكننا اللبس بطريقة تميزنا حتى ولو لبسنا نفس الماركات والألوان الذي يلبسها باقي البشر وإن حلقنا حواجبنا ورفعنا تسريحة أعرافنا؟؟

الخميس، 11 فبراير 2010

تعريف الحب.. بعقلانية مجردة

الحب كلمة أشغلت جميع الشعوب في كل الأزمنة.. ورغم ذلك لم يتوصل مجموعة معتبرة من بني البشر لتعريف مجرد لحدود وتشاكيل هذه الكلمة المعضلة.. فالحب هو مزيج من العواطف التي تتشكل من خلال دورات مشاعرية متعددة يصعب على الباحث رسم خطوطها العريضة مهما توغل في أعماق أفكاره السحيقة..
ولو أستطعنا أن نبحثها بعقلانية متجردة، كما لم يبحثها جل الباحثين والمتفلسفين من قبل، لتوصلنا إلى نتيجة قاسية لم ولن يقبلها المحبين على إختلافهم. لكننا سنحاول وحسبي الله ونعم الوكيل مقدماً..

ولأن الناس تحب بعواطفها لا بعقولها، نجد التذمر من الطرف الآخر أحياناً والسادية في أحيانٍ أخرى هي الطاغية في معادلة الحب ذات العوامل المتغيّرة والمتعددة لتكون مستحيلة الحل في الفضاء العقلي المجرد.

الحب في نظري هو عبارة عن تيارات عاطفية متدفقة تنشئ من فروقات في مستويات الفكر أو الحالة الإجتماعية أو التناغم الجسدي المحض بين المتحابين. لذا نجد من يملك شخصية متميزة أقرب أن يُحَب من أن يُحِب لأن التيار يكون في إتجاه فردي بسبب كون مستواه أعلى من الطرف الآخر ومما يولد فرق الجاذبية ومن ثم تدفق المشاعر ليكون الطرف الأعلى هو المسيطر في هذه العلاقة. ومتى ما خفت تدفق هذا التيار خفت الحب معه من خلال دورات الزمن المتغير.

وهنا يبرز سؤال مهم عن طبيعة الحاجة إلى الحب وبحث أغلب الناس الدائم عنه..
فهل الحب ضرورة بشرية سنها الله في غرائزنا؟؟
أم أنه كمالية إكتسبناها على ضوء إستحضار المجتمع المحيط لهذه المشاعر وإستثارتها؟؟
الجواب المفصلي هنا يصعب مثل صعوبة تعريف الكلمة لأنه يتطلب إستجلاب تاريخ الأمم التي قبلنا والتي تناقلت حضارتها عبر الزمن لتصل إلينا عواطفها ومشاعرها والتي لم توضح بجدية في كتب التاريخ الغابرة..

وقد يكون الأنسب لإجابة هذا السؤال هو بحث عواطف الأمم المنقطعة عن بقية العالم مثل شعوب أستراليا وغابات الأمازون بُعيد دخول المستعمر المادي وقبل إختلاط الفكر من الطرفين..

وإن كان لنا يجب أن نحب.. فليكن مثلما أحب جرير القائل:

ياأم يا أم عمرو جزاك الله مغفرة **** ردي علي فؤادي كالذي كانا
ألست أملح من يمشي علـى قـدم **** يا أملح الناس كل الناس انسانا
يلقى غريمكم من غير عسرتكم **** بالبذل بخلا وبالاحسان حرمانا
قد خنت من لم يكن يخشى خيانتكم **** ماكنت أول موثوق به خانا
لقد كتمت الهوى حتى تهيجني **** لا أستطيـع لهـذا الحـب كتمانا
كاد الهوى يوم سلمانين يقتلني **** وكـاد يقتلني يوما ببيدانا
لا بارك الله في من كان يحسبكم **** الا على العهد حتى كانا ماكانا
لا بارك الله في الدنيا اذا انقطعـت **** أسباب دنياك من اسباب دنيانا
مااحدث الدهر مما تعلمين لكم **** للحبل صرما ولا للعهد نسيانا
ان العيون التي في طرفها حور **** قتلتنـا ثم لم يحين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لاحراك به **** وهن اضعف خلق الله اركانا
ياحبذا جبل الريان من جبل **** وحبذا ساكن الريان من كانا
وحبـذا نفحات من يمانيه **** تأتيك من قبل الريان احيانا

السبت، 6 فبراير 2010

عجلة السعادة.. بين السعي والتحقيق

السعادة....

لو سألنا ما هو تعريف السعادة لإختلفت إجاباتنا على ضوء منظور وخلفية ومرحلة كل منا..
فنجد المحتاج يعرفها بسد الحاجات ولو سدت حاجاته عرفها بتوفر الكماليات ولو توفر كمالياته لساح في فلسفة فكره وعرفها بقناعات طرقها من كان قبله وإن إختلفت اللغات.. ولو تعمق أكثر توصل إلى اللاشيء ليجد نفسه قد فقد سد حاجاته ليعود جارياً وراء ها في عجلة تدور كما يدور الزمن بلا إنتهاء وإن إختلفت الأدوار...

وفي تحسس لهذه الدورة نجد أن النسبية هي المسيطرة على بلوغ هدف السعادة.. فالنسبية تلتزم البداية من وضعية ومن ثم الإرتقاء إلى وضيعة أفضل منها مع بلوغ الهدف المرحلي الذي يصبح بالتالي كالسراب عند بلوغه لنبحث بعده عن هدف أو سراب آخر نسعى لتحقيقه..

وغالباً ما يختلط علينا سعادة السعي لتحقيق الهدف وسعادة تحقيقه... وهذا هو الإختلاف الجوهري بيننا وبن الشعوب الواقعية حيث تجدنا نتجرد من سعادة السعي إنحيازاً لسعادة التحقيق مما يفقدنا لذة الحياة في أغلب مراحلها لأن مدة السعي تفوق بكثير لحظات إدراك تحقيق الهدف..

هذا بالغالب يجعلنا نعيش التعاسة جل فترات أعمارنا لأنها فترات سعي مما يفرز السلبية السائدة في مجتمعنا متذمرين من الواقع ساعين مجهدين لتحقيق سعادتنا لا متخذيها كطريقة للحياة..