الاثنين، 6 أغسطس 2012

بيت الحكمة


يحكى أن رجلا بلغ من الحكمة مبلغ ما أمضى من السنين الطوال.  رزق بأربع أبناء على مدى أعوام متباعدة متدرجة. تمثلوا بحكمة أبيهم ونضوجها المرحلي. فتفاوتت طرقهم بتفاوت دعوتهم. 

كان الأول الأقرب لقلب أبيهم.  كان همه ومراده وعزه وعزوته. كل ما عداه يهون عنده وكل ما يخالف سمو مستقبله ملعون ومطرد من فكره. لكنه أبي عنيد.  زامن ترعرع حكمة أبيه فلم يسلم له طوعاً. تصادم معه فكان الشقاق أغلب مآل النزاع. بعد سنين من الكر والفر،  وصلوا لطريق مسدود. فقد تكسرت أغلب مجاديف السلم فلزم تغيير العتاد من العناد. 

كان الثاني هضبة ليس بها كثير من الجبال.  مسالم في العقل أسد بالكر. ينطق بما يفكر ولا يضمر إلا عند القتال.  انقاد بارتياح لحكمة أبيه إلا قليل لا يذكر.  لم يستفهم إلا لكي يفهم. لم يجادله إن نطق أو غضب. فكان ينصاع إذا أمر ويأخذ بأفضل الأمرين لأبيه إذا خير. 

إشتد أزر الأب بولده البار.  فصار حجته على بكره. فأخذ يجادله من جديد ولكن بعزم ودعم. بدأ البكر بتنازلات لم تكن كافية لأن يكون تحت مظلة حكمة أبيه. ولكن الأب إزداد حكمة فوق حكمة فاستمر بعزيمة محب شديد البأس وأكثر قوة مع مرور الزمن. 
الثالث كان ذو فكر مختلط. لم يحضر بداية عراك الكبير ووعى على مفخرة توافق البار. كان يبحث عن رضى الأب ايماناً أحياناً ومجاراة وغايات لأخرى. كانت كثرته من قوته الجسدية فمال بالكفة لما ليس للبكر طاقة.
سلم البكر لرؤية خطها أباه بعد أن أعيته كرات حكمة كانت قد غابت عن استيعابه. فرح الأب كفرح من وجد إبنه حي بعد سنين من الضياع. وعى البكر حكمة أباه حين إنتشرت وبات من حولهم يقدرون بيت الحكمة وأهله. عاشوا زمن لم يطل حتى ودعهم أباهم. 

رغم عدله بين أبناءه في حياته،  فقد أوصى بزمام الحكمة للبكر الحبيب. كعادته،  لم يجادل البار سوى ساعة من نهار. تنازعت الرغبات بالمختلط حتى ظهرت على شفاهه. يثور حين ويجادل حين. ولكن البكريين أقوى عزيمة رغم أنه أقوى منهما جسدا. فلم يك رضوخه سوى مسألة وقت عصيب.

ولد الرابع بعد وفاة الحكيم بقليل. وترعرع يستسقي الحكمة من أخواه البكريين ونزر يسير من المختلط. نظر لهم بنظرة الابن لوالده دون تحدي في منشئ الحكمة لأن مصدرها أباه الذي لم يراه. فكانت القداسة لها ولمن يحملها. حمل هم فهمها وصيانتها وتحقيقها وتأصيلها. وحمل إخوانه رعايتها فهي نورهم الذي يضيئ لهم دروبهم بين بيوت جيرانهم.
ورث أبناء البكر القيادة فمضت بهم في طريق ولا بد أن يطرقوه. اختلفوا كما اختلف أبيهم على أبيه. كانوا فسطاطين ثم أكثر فأكثر. قدس البعض آباءهم وتبع أخرون من سبقهم. ثم اختلف كل بعض فيما بينهم،  ففهمهم أصبح خلافهم رغم إتفاقهم على أصل ما يختلفون عليه. تداخلت الرغبات الفردية فشتتت غاية حكمة أبيهم في رفع شأنهم. داموا سنين مقدرين أو مقدسين في عيون أبناء عمومتهم. 

ولكن لكل حكمة عمر مهما كانت سديدة أو مديدة. عمر ولا بد له من أن يشيخ لأن الزمان داء ليس له دواء ولو كانت أحكم الحكم..

هناك تعليق واحد:

  1. قصة بيت الحكمة رائعة جدا لقد وضعت قالب لسرد الاحداث بين الشخصيات وتصوير الشخصيات بأسلوب مشوق جدا تفاعلنا معها حتى النهاية وتوصلنا الي الغاية والغرض المقصود ..!! والخيال بالقصة بسط لنا الفكره ليست كقصص التاريخ الجامدة ! فعلا الكتابة فن قولي درامي وعالم ابداعي موازي للعالم الواقعي الذي يعيشة الكاتب من خلال تجارب الفكر والعاطفه والخيال ...مبدع يا استاذضاري
    العصفوره

    ردحذف