الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

القولبة.. أداة تحجيم الفكر..


 العقل البشري هائل القدرات. فالتراكم المقدري لمجموعة من المفكرين يفوق تصور أي شخص بعينه. لذا تنشأ المجموعات الفكرية أساليب لا يعيها أحدهم لوحده ولكنهم يطورونها كمجموعة عقلية عبر الزمن. من الأدوات التي يلجأ لها المجاميع الفكرية المتطرفة وخصوصاً يميناً، هو تصنيف الأفكار غير المتوافقة مع الخط العام لفكرهم أو ما يمكن أن نطلق عليه "القولبة". ودلائل ذلك نشوء تصنيفات أو قوالب جديدة كل يوم. فقالب القاعدة لم يكن مصنف فكرياً قبل نسف البرجين. وقبلها لم تكن السلفية تعني مجموعة فكرية لها أفكار مخالفة. ولا العلمانية ولا الليبرالية أو الجامية وقبلها الصوفية والسنة "الناصبة"  أو الشيعة "الرافضة" أو اليعقوبية والآبائية أو الكاثوليك والبروتستانت... أوضح مثال تاريخي هو تسمية البروتستانت الأوائل كل مذهب يخالف فكر قادتهم بالمهرطقة.. وهو من أوسع ما صنف عبر الزمن..



لا بأس في التصنيف كاختصار فكري، ولكن المعضلة تكمن عندما يستخدم كأداة لخدمة فكر معين ورد العامة من التبصر بعقلانية بأي فكر مخالفة له. وبهذا تكمن سيطرة خاصة الفكر على عامته بعدم السماح لهم حتى مع أنفسهم في إختبار الأفكار الجديدة غير المتوافقة مع خطهم العام. فعندما يحاور أحد العامة شخص ذو أفكار مغايرة، تجده يجتهد لقولبته في أحد القوالب التي نحتها سادة فكره حتى يحكم عليه كما حكم سيده الفكري دون أن يختبر أو حتى يناقش الفكرة المتحدث عنها. هنا يصبح كل شخص ليس من الخاصة مثل أنظمة المحاكاة الصوتية التي تجيب بما خزن بها من قبل. وهنا تكمن السيطرة الفكرية الكاملة بسلب الإرادة الفكرية التي تميز البشر عمن سواهم. امثلة ذلك عبر التاريخ كثيرة، كنهي سادة قريش عامتها من سماع القرآن أو تصنيف الأنبياء بالسحر أو الجنون لسلب حكم العامة على ما قدموا من جديد. وحديثاً النهي عن إطلاع العامة على صنف معين الفكر كالفلسفة أو حتى القراءة في مجملها من دون رقيب منهم "من كان شيخه كتابه.. كان خطأه أكثر من صوابه".

الطريف أن كل مجموعة فكرية متطرفة تتهم مضادها بالقولبة فالناصبة يتهمون سادة الرافضة بسلب فكر العامة وعدم السماح لهم بسماع الحق منهم وكذلك يرى "الملالوه" بأن عامة الناصبة لا عقل لهم لأنهم مسلوبي الإرادة. ونحن نتهم الغرب بعدم السماع والتبصر بديننا وهم يتهموننا  بأننا نرى العالم من ثقب الباب. المحير أن التيارات الفكرية الدينية "الأصل" أكثر من يستخدم القولبة في سلب فكر العامة رغم أن الأديان تحديداً ثورة فكرية في عصرها وقد كانت تجاهد لجعل الناس تفكر وتتفكر وتتبصر وعدم طاعة سادتهم. لكننا نجد أن أكثر التيارات تشدداً في إتباع أصول الدين، أكثرها تشدداً أيضاً في السماح لأتباعها السماع لأي فكر مغاير. وبالتالي لو أنهم وجدوا في بداية هذا الفكر الذي يتعصبون له، لكانوا أشد من كفر به وحاربه.. فهي مسألة زمن ليس إلا..

القولبة أداة ماكرة يقع بها الشخص حتى عملياً. فعلماء الإجتماع يحذرون منها حتى في بيئة الأعمال. فنشأت مصطلحات مثل “Mental Model”   أي القالب العقلي أو “Stereotyping” الصورة النمطية، وهي ما يصطلح على مجموعة من الناس يحملون نفس الفكر والحكم عليهم بأحكام مسبقة لا تستند على الحقائق المعاصرة للحكم. وهي مشكلة وعاها الغرب خلال القرن الماضي وحاربوها بشتى الوسائل حتى بالقوانين الوضعية. ولكننا لازلنا نغفل عنها بل ونجعلها عقيدة لنا.. فهذا سلفي متزمت وهذا شيعي ملعوب عليه وهذا صوفي خرافي وهذا جيزاني وهذا قصيمي وهذا حوطي وهذا طرش وهذا بدوي وهذا حضري وهذا علماني وهذا ملحد.... دون الحكم على التصرف أو الفكرة بحد ذاته بمعزل عن قولبة الشخص أو الفكر والحكم المسبق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق